بسبب الضغوط أو حتى من دون شعور ولكن المؤمن يتميز عن الآخرين بأنّه أولا لا يمارس الانحراف عن جحود وعناد ، وثانيا بأنه لا يستمر على الخطأ بل يسعى لتصحيحه وعلاجه في أقرب فرصة ممكنة ، فاذا به يستغفر بعد الذنب ، وينتبه بعد الغفلة ، ويستقيم بعد الانحراف ، ويتذكر بعد الجهل ، فكلما أبعدته ذنوبه عن الله تقرّب اليه بالتوبة ، وكلما استغفلته طبيعته المركوزة في الجهل تعينها ضغوط الحياة تذكر بآيات الله واستعان بإرادة الايمان على الإقلاع من الانحراف ، فهو يبالغ في التوبة إلى ربّه ويكررّها حتى بالنسبة إلى الذنب الواحد ، الذي يتوب عنه ثم يعود إليه ثانية وثالثة ، دون أن يدع اليأس يسيطر عليه ، لإيمانه برحمة الله الواسعة وغفرانه ولماذا يقنط ، اليأس من صفات الكافرين؟ ولماذا ييأس وهو يسمع نداء ربّه في كتابه : «يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ» (١) أو قوله عزّ وجلّ : «وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ» (٢) فالمؤمن يرى مجرد غفلته عن ربه ابتعادا عنه فيئوب اليه مآبا ، فهو دائم الأوب ودائم التسامي ودائم العروج إلى الله بتأنيب الذات.
ب ـ المحافظة على حدود الله ، (مناهجه وشرائعه) في الحياة الفردية والاجتماعية بجميع أبعادها ، فاذا بك ترى الحق يتجلى في كل حركاته وسكناته. فهو كما وصفه الامام علي (ع) إذ قال : «قد نصب نفسه لله سبحانه في أرفع الأمور من إصدار كل وارد عليه ، وتصيير كل فرع إلى أصله ... قد أخلص لله فاستخلصه ، فهو من معادن دينه ، وأوتاد أرضه ، قد ألزم نفسه العدل ، فكان أول عدله نفي الهوى عن نفسه ، يصف الحق ويعمل به ، لا يدع للخير غاية إلّا أمها ، ولا مظنّة إلّا قصدها ، قد أمكن الكتاب من زمامه ، فهو قائده وإمامه ، يحل
__________________
(١) الزمر / ٥٣
(٢) الحجر / ٥٦