شخصية الرسول (ص) ، فهم بهذه الاتهامات يعترفون ضمنيّا بقوته وتأثيره في الناس ، فتهمة الكهانة تعكس صدقه ، وتهمة الجنون تعكس شجاعته ، وتهمة الشعر تعكس بلاغته وقوته على الاقناع ، وتهمة السحر تعكس تأثيره العملي في المجتمع ، إلّا أنّهم يسعون بهذه التسميات إلى النيل من شخصيته ، وتحوير الحقيقة لكي لا يتأثّر به أحد.
[٣٠ ـ ٣١] إنّ الحيرة التي وقع فيها المشركون والكفّار وعدم ثباتهم على تهمة معينة دليل واضح على اتباعهم الظنون لا العقل في تقييم رسالته وشخصيته ، ممّا يدلّ على أنّه جاء بحركة جديدة لم يستطيعوا لها تفسيرا ولا تأويلا ، وقد يدلّل اتهامهم له بالشعر بعد الكهانة والجنون ـ مع كون الشاعر في نظر العرب أعلى ثقافة من الآخرين ـ على تنازلهم أن الأخريتين الماضيتين.
(أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ)
ولكنّ الرسول يختلف عن الشاعر ، ورسالته ليست شعرا للأسباب الأساسية التالية
١ ـ إنّ الشاعر ـ وفي ذلك العصر بالذات ـ يعبّر تعبيرا بليغا عن الثقافة القائمة ، بينما الرسالة خارجة عن إطار الثقافة الفاسدة الواقعية الشائعة في المجتمع ، والذي يقرأ أشعار العرب يلاحظ فيها وبوضوح تعبيرا صريحا عن الروح القبلية ، وعن الأضغان والفرقة وسائر مفردات الثقافة القائمة على الواقع ، كقول الفرزدق :
أولئك آبائي فجئني بمثلهم |
|
إذا جمعتنا يا جرير المجامع |
أو كقول جرير :
فغضّ الطرف إنّك من ثقيف |
|
فلا كعبا بلغت ولا كلابا |