وأفكاره فلا ينطلق في أيّ موقف أو حكم من ردّات الفعل وإثارة المواقف المضادة ، والكفّار كبشر لديهم مناهج عقلانية ولكنّهم خرجوا عن دائرتها فصاروا يعارضون الرسول ويتهمونه بالكهانة والجنون أو بالشعر والسحر ، ليس لأنّهم وجدوا ما عنده باطلا ، وإنّما نتيجة اتباع الهوى والطغيان وردود الفعل.
(أَمْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ)
و «أَمْ» هنا ليست بمعنى التخيير وعدم التأكّد ، بل هي تأكيد لما بعدها ، ولعلّ السبب أنّ الاحتمالات السابقة واضحة البطلان مما يبعث السامع إلى البحث عن الاحتمال الصحيح ، ويتساءل : إذا لماذا يعارض هؤلاء الرسالة؟ ويأتي الجواب بصيغة احتمال ، ولكنّ السامع يتقبّله رأسا ، فيكون كما لو أنّه هو الذي اكتشف الحقيقة.
ومن عموم هذه الآية نستفيد فكرة كثيرا ما يشير القرآن إليها ، وهي أنّ الاحتياط من العقل ، فينبغي للمؤمن أن لا يستعجل في رفض فكرة يسمعها ، بل يفترض إمكان صحتها ، ثم يفكّر فيها مليّا ، ويتخذ موقفه منها على ضوء تفكير موضوعيّ دقيق.
وإنّ الذين رفضوا الرسالة لم يعتمدوا في رفضهم على العقل بل على الطغيان ، لأنّ العقل يقيّد الشهوة ويقنّنها ، بينما الطغيان يسيّرها ، بل ويجعلها هي القانون ، ولو أنّهم اتبعوا هدى عقولهم لآمنوا بها ، لأنّها تهدي إلى العقل كما يهدي العقل إليها.
[٣٣] ومن نتائج اتباعهم الهوى في تقييم الرسالة والنبي (ص) اتهامهم له بأنّه لا ينطق عن الله ، وأنّ ما عنده ليس رسالة من الرب ، إنّما هي من صنيع فكره. إنّ