[٤٤] ولأنّ العقائد المنحرفة عند الكفّار والمشركين ، والتي استعرضتها الآيات الماضية ، تنتهي كلّها إلى غاية واحدة هي محاولة التملّص من المسؤولية ، فإنّ القرآن لا يني يؤكّد المسؤولية من خلال بيان سنّة الجزاء الحاكمة في الحياة ، ففي الدنيا تجلّيات عديدة لهذه السنّة ممّا يؤكّد وجود حياة أخرى للجزاء أيضا ، ولكنّ الإنسان حينما يكفر أو يشرك لا تهديه العلامات إلى الحقيقة ، بل يفسّرها تفسيرا ماديّا منحرفا ، بل حتى لو رأى آية ظاهرة فسّرها تفسيرا بعيدا.
(وَإِنْ يَرَوْا كِسْفاً مِنَ السَّماءِ ساقِطاً يَقُولُوا سَحابٌ مَرْكُومٌ)
وفي سورة الأحقاف يضرب القرآن لنا مثلا على هذا النوع من التفسير عند الكفّار فيقول : (فَلَمَّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا عارِضٌ مُمْطِرُنا بَلْ هُوَ مَا اسْتَعْجَلْتُمْ بِهِ رِيحٌ فِيها عَذابٌ أَلِيمٌ تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلَّا مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ) (١).
[٤٥] وحينما يصل الإنسان إلى هذه الحالة النفسية من الضلال والجحود تصعب هدايته إلى الحق ، لأنّه لن ينظر إلى الآيات نظرة عقلانية مجرّدة ، إنّما سينظر إليها من خلال أفكاره ، ويسعى جاهدا لاستلابها دلالاتها الواقعيّة الحقّة ، لذا لا ينبغي للداعية أن يصرّ ويبخع نفسه لهدايته ، إنّما يبيّن إليه الحق ثم يتركه يواجه مصيره بنفسه ، لأنّ الإصرار الزائد عن حدّه قد يسبّب حالات وصفات خاطئة كالديكتاتورية والغصب ، أو أن يغيّر هو من الدّين ليدخلهم فيه.
(فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ)
إشارة إلى العذاب الذي ينتظر الكفّار يوم القيامة ، فلأنّهم كفروا بالآخرة
__________________
(١) الأحقاف / ٢٤ ـ ٢٥