الكهنة والمنجّمين.
(ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى)
الضلالة هي الانحراف عن أصل الطريق ، بينما الغواية ـ حسبما يبدو ـ الانحراف عن سواء الطريق ، فقد يضل الواحد طريقه إلى مدينة شرقية فيتجه غربا ، وقد يغوي عنها فلا يتجه إليها عبر خط مستقيم .. ولم يضل النبي طريقه نحو الله فيختار ـ حاشاه ـ طريقا آخر ، كما لم يتنكّب عن الخط المستقيم ولا شيئا قليلا ، فلم يكن كأبينا آدم ـ عليه السلام ـ الذي قال عنه ربّنا : «وَعَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى» (١).
[٣ ـ ٤] بلى. لقد زعم البعض أنّ عصمة النبي (ص) محدودة في الشؤون المتصلة بالرسالة نفسها وحسب ، ولكن السؤال : إذا كيف نعرف أنّ ما يتحدّثه الرسول هل هو جزء من الرسالة ، أو هو شأن من الشؤون التي يخطأ فيها؟ كلّا .. إنّ الله قد عصم الأنبياء جميعا ، وأيّدهم بروح القدس ، حتى تتمّ حجته على خلقه ، ولا يبرّروا مخالفتهم لهم بعدم الثقة بأنّ كلامهم من عند الله ، وقد قال سبحانه : «وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ» (٢) ، وقال : «عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ» (٣).
إنّ الإنسان تنازعه من داخله قوّتان : نور العقل الذي يهديه إلى الحق ، وشهوات الهوى التي تدفعه باتجاه الباطل ، ولقد أدّب الله نبيّه (ص) إلى أن اعتصم من آثار الهوى ، وجسّد الحق لا يزيغ عنه لحظة ولا قيد شعرة.
__________________
(١) طه / ١٢١
(٢) الحاقة / ٤٤ ـ ٤٦
(٣) الجن / ٢٦ ـ ٢٧ ـ ٢٨