والزيغ هو الانحراف ، قال تعالى : (فَلَمَّا زاغُوا أَزاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ) (١) يعني لمّا انحرفوا عن الحق ، وقال : «رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنا» (٢) أي لا تحرفها عن الحق ، وقال : (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) أي انحراف (فَيَتَّبِعُونَ ما تَشابَهَ مِنْهُ) (٣) ، ولكنّ زيغ البصر هنا يعني انحرافه بعامل الخوف ، ويشبهه قول الله : (إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زاغَتِ الْأَبْصارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللهِ الظُّنُونَا) (٤).
أمّا الطغيان فهو الزيادة السلبية في الشيء ، ومنه طغيان الحاكم إذا بالغ في الظلم ، وطغيان النهر إذا فاض ماؤه ، وطغيان البصر أن يرى الإنسان الشيء أضخم من حجمه ، والرسول لم يزغ بصره ، بل كان مطمئنّا ركّز نظره في الحقيقة لم ينحرف عنها بما ثبّته الله تعالى ، ولم تطغ عينه فكان ما رآه صغيرا ولكنّه صوّره لنا أكبر من حجمه عند ما رجع من عروجه.
[١٨] إنّ الآيات التي رآها كانت كبيرة بالفعل.
(لَقَدْ رَأى مِنْ آياتِ رَبِّهِ الْكُبْرى)
كسدرة المنتهى التي تظلّ الورقة منها الدنيا بأجمعها ، ويقف عليها ملك يسبّح الله لا يفتر عن ذلك ، وكنور الله الذي تجلّى للنبي (ص) عندها ، وهكذا الكثير من الآيات التي تعرّضت إليها أحاديث الإسراء والمعراج ، إلّا أنّ الكبر في الآيات لا ينصرف إلى حجمها وحسب ، إنّما هي قبل ذلك كبيرة في دلالتها على الحق.
__________________
(١) الصف / ٥
(٢) آل عمران / ٨
(٣) آل عمران / ٧
(٤) الأحزاب / ١٠