[٥٤ ـ ٥٥] ويختم الله هذه السورة التي تلاحقت فيها النذر المخوّفة بالترغيب ، لكي لا ينتهي التخويف إلى اليأس ، بل يبقى الإنسان متوازنا يتحرك باتجاه الحق بين الخوف من العذاب ورجاء الرضى والاثابة ، فيحدّثنا عن عاقبة المتقين في مقابل عاقبة المكذّبين فيقول :
(إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ)
أي الأنهار ، وقال بعض المفسّرين أنّه المكان الواسع ، وهو بعيد ، وقوله «فِي» يدلّ على دوام النعيم وخلودهم فيه ، وذلك ممّا يميّز نعيم الآخرة عن الدنيا المحدودة.
وإلى جانب النعم المادية هناك النعم المعنوية ، وأعظمها وأهمّها رضى الله عزّ وجلّ الذي ينالها المتقون.
(فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ)
ويدل المقعد على الدوام والثبات ، فهم لا يزحزحون عن النعيم ، «لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ» (١) ، كما تدل كلمة «صِدْقٍ» أنّهم استحقّوا الجلوس في ذلك المقعد بعملهم وإيمانهم بعد توفيق الله ، فلأنّ عملهم كان صادقا مخلصا استحقوا مقعد الصدق ، ولكن عند من؟
(عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ)
حيث النظر إلى نور الربّ ، وهذا بدوره يكمّل النعيم ، بل هو النعمة الكبرى! وما الجنان والنهر وسائر النعم الأخرى إلّا مظهر لمقعد الصدق ، وهذان النوعان من
__________________
(١) الواقعة / (١٩).