(وَبِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)
وعند السحر يكون العالم المحيط بالإنسان في سبات عميق ، حتى الذين أسهرهم المرض أو اللعب أو ما أشبه يخلدون إلى السكون ، والإنسان بدوره يعيش السكون في داخله ، تتراجع شهواته ، وتهدأ أعصابه ، وتقلّ هواجسه ووساوسه ، ويعود إلى نفسه ، وتكون الفرصة مواتية لمراجعة حساباته ومحاكمة أعماله وأقواله في محكمة عقله ووجدانه ، وهنالك تتجلّى له أسماء ربّه ، ويجد كأنّ خالقه القاهر فوقه البصير به والأقرب إليه من حبل الوريد يحاسبه : لما ذا ابتعدت عني عبدي؟ أو لم أكن نعم الربّ لك ، فلما ذا كنت بئس العبد؟ هل غيّرت معك عادة الإحسان فأشركت بي وخضعت لعبادي من دوني؟
وكم هي رائعة يقظة الضمير بعد السبات ، وانتفاضة الإرادة بعد الخوار؟ الله ما أحلى العودة إلى دار الأنس بعد الغربة في نفق العصيان ، ما ألذّ حكاية الاعتراف بعد الطيش والتمرّد!
من هنا كانت نفوس المتقين تتطلّع إلى تلك الساعة المتّقدة حبّا وشوقا وقربا. ألم تسمع رواية الرسول (صلّى الله عليه وآله) أنّه قال : «الركعتان في جوف الليل أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها» (١).
أوسمعت زين العابدين علي بن الحسين (عليه السلام) يسأل : ما بال المتهجّدين من أحسن الناس وجها؟ فقال : «لأنّهم خلوا بالله فكساهم من نوره» (٢).
__________________
(١) المصدر / ص ٢٧٦.
(٢) المصدر.