وسمح له أن يفعل ما يشاء ، أما في الآخرة حيث يخلص الحكم لله ، فلا يملك إلّا التسليم للحق ، قال تعالى : (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّماءُ بِالْغَمامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً* الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمنِ وَكانَ يَوْماً عَلَى الْكافِرِينَ عَسِيراً) (١) فمنظر القيامة بما فيه من تحولات كونية هائلة يعري الإنسان من كل لبس في شخصيته الفقيرة المحتاجة.
ان السماء هذا السقف العظيم الذي يحفظ الناس ويظلهم تفقد تماسكها يوم القيامة ، ويتبدل لونها من الزرقة الى الحمرة تشبه في ذلك الوردة الحمراء ، (وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ) (٢) ثم تذوب وتسيل «يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ» (٣) حتى تضحى دهانا ، وهو ما يستخرج من الورد بعد غليه وعصره.
(فَإِذَا انْشَقَّتِ السَّماءُ فَكانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهانِ)
لعل سبب تشبيهها بالوردة لأنها ليست قطعة واحدة ، بل عدة قطع منشقة عن بعضها ، ذات صبغة حمراء ، يجمعها الأصل ، ولان السماء (السقف المرفوع) هي رمز الأمن والسلام ، فان انشقاقها يؤذن بالأخطار والخوف ، ولهذه الآية اتصال وثيق بالآية (٣٥) «يُرْسَلُ عَلَيْكُما شُواظٌ مِنْ نارٍ وَنُحاسٌ فَلا تَنْتَصِرانِ» ذلك ان الغلاف الجوي ـ أحد طبقات السماء ـ هو الذي يمنع عنا النيازك والغازات الحارقة ، ولو حدث ـ لا سمح الله ـ أن انشق فان الأرض ستكون عرضة لتلك الاخطار ، ويقول العلماء : لو فتحت ثغرة في الغلاف الواقي ـ لنفترض مثلا بمساحة كيلومتر مربع واحد ـ فان الأرض تحته لا تصلح للحياة أبدا .. لما تنهال عليها من خلال تلك الثغرة من اشعة ضارة أو نيازك حارقة مدمرة.
وهل لنا ان نفهم من هذه الحقيقة العلمية شيئا بسيطا عن طبيعة الحياة حينما
__________________
(١) الفرقان / ٢٥ ـ ٢٦
(٢) الحاقة / ١٦
(٣) المعارج / ٨