ولا دنوه بمكر وخديعة» (١).
هذا في الدنيا ، أما في الآخرة فإنهم ينوون مواصلة التعب شكرا لله ، ولكنهم فور ما يسجدون يخاطبهم الجليل الأعلى ليس هذا يوم تعب وعبادة ، انها دار الراحة والحصاد بعد تعب الدنيا وعملها.
(مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ).
أي داخل المتكأ وحشوه من الديباج الغليظ ، والإستبرق كما قالوا : كلمة معربة من قولهم : (ستبرك) وهو مصغر (ستبر) بمعنى الثخين الغليظ ، وقالوا : ان ما كان حشوه حريرا خالصا فظاهره يكون كذلك بالأحرى (٢).
والآية بكل مفرداتها وايحاءاتها تعبير بليغ عن أقصى غايات الراحة ، فهم متكئون وعلى فرش الحرير الناعم البارد والمريح ، ومن حولهم كل صنوف الفواكه ، ومن تحتهم الأنهار بأنواعها ، وتظلهم الأغصان النضرة الخضراء الندية.
(وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ)
الإنسان في الدنيا لا يحصل على شيء إلّا بالتعب وبذل الجهد ، والفلاح لا شك انه يلقى تعبا في الحصاد وقطف الثمار ، لان بعضها بعيد عن متناول يده ، فلا بد أن يتمطى لقطفها أو يركب الشجرة أو يستخدم وسيلة لذلك أي انه لا بد ان يبذل جهدا اما في الآخرة فان ثمر الجنة متدل قريب متى ما اشتهى المؤمن شيئا منه تناوله بيده عن قرب ودنو ، أو يتدلى اليه الغصن بقدرة الله ، فهو لا يتعب من أجل ذلك ، وفي الكلمة ايحاء بأن الثمر في غاية النضج ، وعلى الدوام ولا يتلف ، يقال دنت
__________________
(١) نهج / خ ١٩٣ ص ٣٠٣
(٢) تفسير الرازي / ص ٢٦ ج ٢٩