هكذا بعد ذكر كل نعمة من نعيم الآخرة يأتي هذا التساؤل ليهدينا الى ضرورة حمد الله وشكره على آلائه في الدنيا عند كل خير ونعمة.
(فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ)
[٥٦ ـ ٥٧] (فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَلا جَانٌ)
جاء في المنجد : «الطمث : مصدر الدنس والفساد» (١) وسمي دم الحيض طمثا لفساده ، وحيث ان البكارة عنوان الطهر والعفة عند المرأة ، فان افتضاض بكارتها ، وخروج الدم دليل فساد المرأة أو فساد بكارتها التي تذهب بذلك ، ولا ريب ان الواحد يأنس بالبكر ويرغب إليها أكثر من الثيب ، وحور كل جنة انما خلقن لصاحبها لا يسبقه إليهن أحد من الخلق ، وحيث يأتيهن يرى علامة ذلك فهن طاهرات.
ولكن لماذا يقول الله «وَلا جَانٌّ»؟ ربما لان الجنة للمؤمنين من الإنس والجن ، فأراد التأكيد على عدم سبق أحد إليهن ، والتأكيد على الطهارة الشاملة ، ذلك أن الشيطان يوسوس للمرأة ، ويثير غلمتها عبر الخيال ، وبالذات حين بلوغها ، وقد تنتهي بها تلك الوساوس حتى تفض بكارتها بصورة أو بأخرى ، ولذلك جاء في القرآن الأمر بالتعوذ منه.
ويسبق تأكيده تعالى على طهارتهن (المادية) بعدم الطمث ، بيان لطهارتهن المعنوية ، فهن قد قصرن طرفهنّ (العيني والنفسي) من غير أزواجهن ، قال أبو ذر رضي الله عنه : «انها تقول لزوجها : وعزة ربي ما أرى في الجنة أخير منك ، فالحمد لله الذي جعلني زوجك وجعلك زوجي» (٢) وهكذا حال الطاهرات العفيفات من
__________________
(١) راجع مادة طمث
(٢) نور الثقلين / ج ٥ ص ١٩٨