وأصحاب الجنة هم الذين تحسّسوا شهود ربهم عبر آلائه ، وعرفوه فآمنوا برسالاته ، واتبعوا رسله ، واتقوه حق تقاته ، فأحسنوا بذلك في الدنيا .. لقد أحسنوا التصرف في نعم الله وآلائه كلها ، فكان من إحسانهم بذلهم إيّاها للآخرين. إنهم أدركوا بعمق معنى الخوف من مقام ربهم ، فلم يجعلوه محدودا بقلوبهم ، بل جعلوه برنامجا متكاملا لحياتهم ، وإذا بهم يفيضون فاعلية وعطاء وتضحية ، فتراهم يبذلون كل ما يملكون ، اتقاء غضب الله ، وطمعا في رضاه وثوابه ، ولن تذهب أعمالهم سدى ، ولو كان بمقدار حبة من خردل خيرا يأتي به الله ليجزي عليه صاحبه (إِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) (١) انما يحفظه وينميه وينمي به خير فاعله ، ويرده عليه في الدنيا والآخرة ، (يَمْحَقُ اللهُ الرِّبا وَيُرْبِي الصَّدَقاتِ وَاللهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) (٢) ، ولقد فطر الله الحياة بهذه السنة ، ان الإنسان يحصد ما يزرع ، فان زرع خيرا حصد الخير ، وان زرع الشر لا يحصد إلّا الشر.
(هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ)
انها حقيقة فطرية يشهد بها الجميع : ان الإحسان لا يكافئ إلّا بالإحسان وتتجلى هذه الحقيقة في أبهى صورها في الجنة ، وهكذا القرآن يستثير في البشر ركائز فطرتهم ليستشهد بها على أنفسهم بما جبلوا عليه ، وتعارفوا فيما بينهم به.
يروى عن علي بن سالم انه قال : سمعت أبا عبد الله الصادق (عليه السلام) يقول : «آية في كتاب الله مسجلة» قلت : وما هي؟ قال : «قول الله عزّ وجلّ : «هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلَّا الْإِحْسانُ» جرت في الكافر والمؤمن ، والبر والفاجر ، ومن صنع اليه معروف فعليه أن يكافئ به ، وليس المكافأة أن يصنع كما صنع
__________________
(١) التوبة / ١٢٠
(٢) البقرة / ٢٧٦