من حسد أو بغضاء بين المؤمنين هناك بعكس حال أهل الدنيا حيث يتعالى الغني على الفقير ، أو العالم على الجاهل ، أو الحاكم على المحكوم ، قال ربنا : «وَنَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ» (١) فهم راضون قانعون بما قسم الله لهم ، إذ يعلمون بحكمته وانهم الذين وضعوا أنفسهم حيث هم ، قال رسول الله (ص) في وصيته لابي ذر (ر ض) : «يا أبا ذر! الدرجة في الجنة كما بين السماء والأرض! وان العبد ليرفع بصره فيلمع له نور يكاد يخطف بصره ، فيفزع لذلك ، فيقول ما هذا؟! فيقال : هذا نور أخيك ، فيقول أخي فلان! كنا نعمل جميعا في الدنيا ، وقد فضل عليّ هكذا؟ فيقال له : إنه كان أفضل منك عملا ثم يجعل في قلبه الرضا حتى يرضى» (٢) ولعل أعظم مقاييس التفاضل : التطوع في سبيل الله فهناك فريق من المؤمنين ينذرون أنفسهم في سبيل الله ، وهم مفضلون على من سواهم ، وسواء كان هؤلاء ربانيين أو أحبارا أو مجاهدين فإنهم السابقون بالخيرات على عامة المؤمنين ، الذين يلتزمون بالواجبات ، ويتجنبون المحرمات ، ويعملون الحسنات ، ولكنهم لا يتطوعون كليّا لله ، بل تراهم يمارسون حياتهم العادية ضمن ما شرع لهم ربهم ، وهم القاعدون الذين وعدهم الله الحسنى أيضا ، ولكن فضل عليهم المجاهدين أجرا عظيما.
والقاعدون من المؤمنين أمثال العمال والفلاحين والحرفيين والتجار والموظفين ، وسائر أبناء الأمة ، بينما المجاهدون هم المتصدون لقضايا الأمة ، كالعلماء العاملين والمجاهدين في سبيل الله ، ان هؤلاء يسهرون على مصالح الأمة ، ويبادرون للدفاع عنها ، ويتصدون لقيادتها نحو الخير والحق ، متحملين في ذلك الصعاب ، انهم يستقرون في منازلهم ودرجاتهم الرفيعة في الجنة ، يقول من دونهم إذا نظروا إليهم :
__________________
(١) الحجر / ٤٧
(٢) بح / ج ٧٧ ص ٧٨