«ربنا إخواننا كنا معهم في الدنيا فبم فضلتهم علينا؟! فيقال : هيهات هيهات! انهم كانوا يجوعون حين تشبعون ، ويظمأون حين تروون ، ويقومون حين تنامون ويشخصون حين تحفظون» (١) هكذا قال رسول الله (ص) ، ولعلنا نلمس في النصوص المأثورة عن النبي والأئمة (ع) أبعاد هذا التمايز ، فمثلا أكثر وصاياهم وكلماتهم موجهة الى عامة الناس ، بينما نجد في كلماتهم وصايا تخص الطلائع والقادة من أمثال كميل ، وأبي ذر ، وسلمان ، وابن مسعود ، وابن جندب.
وانما يؤكد الله هذا التفاضل ـ كما هو الحال في حديثه هنا عن الجنات الأربع ـ لكي يتسابق الناس الى الخير ، وقد صرح القرآن بهذا الهدف إذ قال : (سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ) (٢) بل اعتبر القرآن التسابق في إتقان العمل هدفا للخلق : (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكانَ عَرْشُهُ عَلَى الْماءِ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (٣) وقال : (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً) (٤).
ونخلص الى القول بان الدونية في الآية بمعنى الأقل في الفضل ، كقولنا فلان دون فلان في العلم ، فهو أقل منه علما ، وعليه فان الجنتين الأخريين اما تكونان لصاحب الجنتين الاوليتين المذكور في قوله تعالى : «وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ» يستقبل فيهما من هو أقل منه فضلا ودرجة عند الله ، وهما بذلك دار ضيافته لإخوانه من المؤمنين ، الذين يتزاورون في الجنة ، أما الأوليتين فتخصه ويستقبل فيهما أو في إحداهما انداده ، أو تكونان (الأخريين) منزلا لمن هم أقل درجة ممن يخافون مقام ربهم.
__________________
(١) بح / ج ٧٧ ص ٧٧
(٢) الحديد / ٢١
(٣) هود / ٧.
(٤) الملك / ٢