متدانياتها ، دالة بتفريقها على مفرقها ، وبتأليفها على مؤلفها ، وذلك قوله : «وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ». ففرق بين قبل وبعد ليعلم ألّا قبل له ولا بعد له ، شاهدة بغرائزها ألّا غريزة لمغرزها ، مخبرة بتوقيتها ألّا وقت لموقّتها ، حجب بعضها عن بعض ليعلم ألّا حجاب بينه وبين خلقه (١).
(لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)
فتزدادون معرفة بالله كلما أحسستم بالحاجة ، وكلما قضيت لكم. حقّا إن معرفة الله هي الهدف الأسمى لخلقة العالم. أو ليست المعرفة هي السبيل الى التقرب الى الله ، والأنس بمناجاته ، والفلاح بذكره.
[٥٠] ولكن كيف نتسامى الى الله وقد أحاطت بنا عوامل النقص والعجز ، فمن نفس أمّارة بالسوء تسول لنا الذنوب وتسوفنا التوبة ، الى شيطان يغوينا يزين لنا الموبقات ، ويملأ أفئدتنا بالتمنيات والوساوس والظنون ، والى طغاة الأرض الذين يضيقون علينا مذاهب الحياة حتى نسلم لهم أمورنا ، ونشركهم في ديننا ودنيانا ، والى مجتمع فاسد ، وتربية مفسدة ، وثقافة ضالة .. و.. و. كل هذه العوامل تهبط بنا الى واد سحيق. فكيف نتسامى الى الله ، ونحرز الفلاح؟!
القرآن الكريم يجيب على ذلك :
(فَفِرُّوا إِلَى اللهِ)
استعيذوا به من كل شر تذكروه ، ناجوه ، واعتمدوا مناهجه التي أوحى بها ، أطيعوا من أمركم بطاعته ، والوا من أمركم بولايته.
__________________
(١) نور الثقلين / ج ٥ / ص ١٣٠