ولكن كيف يمكن بلوغ كمال المعرفة الالهية ، من دون التسليم له ، وطاعته ، وعبادته ، علما بأن معرفته لا تكون إلّا به ، وكيف يكون غيره دالا عليه ، وبنوره أشرقت السموات والأرض ، أو يكون لغيره من الظهور ما ليس له حتى يكون هو المظهر له سبحانه؟!
وهو لا يمنح معرفته إلّا لمن سلم له ، وعبده وحده ، وهكذا تكون العبادة هدفا للخلق لأنها السبيل الى المعرفة.
ثالثا : هل يمكن أن يبلغ الإنسان الفلاح في الدنيا والآخرة من دون شريعة واضحة يسير عليها ، وهل يمكن تطبيق الشريعة بغير الايمان بالله ، والتسليم لأوامره ، وهل يمكن تطهير القلب من أدرانه ، وتحريره من أغلاله بغير معرفة الله ، التي تجعل النفوس في رحاب قدسه ، بعيدة عن الأنانية والشح ، والغضب ، ونائرة الشهوات؟! كلا .. إن معرفة الله ، والتسليم له هما السبيل الى طرد جنود الشيطان من القلب ، وتنظيفه من وساوسه ، وظنونه ، وأمانيه ، وتخلّقه بأخلاق الرب ، وتأديبه بآدابه السامية من الكرم ، والإيثار ، والإحسان ، والتقوى ، وحب الخير واهله ، لذلك نجد في آيات الذكر ما يوحي بأن هدف الخلق هو الخلق الرفيع. لنقرأ الآيات التالية :
في تسع آيات قرآنية جعل الله الشكر هدفا لنعمة الخلق أو سائر النعم كقوله سبحانه :
«وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» (١).
«لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» (٢).
__________________
(١) النحل / ٧٨.
(٢) الجاثية / ١٢