وغلبتهم (١) ، وقال الرازي وهو بعيد : إنّه إنكار ـ بعد أن جعلها ذكرى ـ أن تكون لهم ذكرى لأنّهم لا يتذكرون (٢) ، ومثله الزمخشري في الكشّاف. ووجه استبعاد هذا الرأي أنّ نفي الذكرى بعد إثباتها بقوله : «وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ» يحتاج إلى تبعيض وتخصيص يفرد الكفّار ومرضى القلوب عن عموم البشر ، ولا دليل عليه. والأفضل أن نقول : إنّ كلمة «كلّا» تأتي لردع الإنسان عن الجهل والغفلة وعن مجمل الأفكار الباطلة التي كان أولئك يؤمنون بها ، لأنّها تأتي في سياق الجدال مع الخصم فيتأوّل ـ عند السامع ـ إلى نفي أفكاره.
وقسم الله بهذا الكوكب كقسمه بأيّ شيء آخر يعطيه أهمية وشأنا في وعي الإنسان المؤمن بالذات ، ونحن على ضوء هذه الإشارة الإلهية القرآنية ينبغي أن نتحرك لفتح آفاق من المعرفة بهذا الكوكب وأهميته ، وعلاقة القسم به بما يريد بيانه القرآن في هذه الآية وسياقها.
إنّ القمر وهكذا الليل بإدباره والصبح عند تنفّسه كلّ هذه الظواهر الكونية تهدينا عند التفكر فيها إلى عظمة الرسالة ، وأنّها فعلا لإحدى الكبر ، وأنّ أباطيل الكفّار ليست صحيحة أبدا. ولعلّ القسم بالقمر جاء للأغراض التالية : أنّ الحقيقة ـ وجزء منها رسالة الله ـ قضية واقعية لا تنتفي بمجرد إنكارها ، كما أنّ القمر والحقائق الأخرى لا تنمحي من واقع الوجود بإنكار البعض لها.
وهكذا تبقى الرسالة كالقمر المنير تفرض نفسها على ظلام الكفر أنّى حاولوا إنكارها. إنّها رسالة عظيمة لو وعوا حقيقتها لتذكّروا بها ، وعرفوا كم هي إنذار شديد وعظيم للبشر.
__________________
(١) مجمع البيان ج ١٠ ص ٣٩١.
(٢) التفسير الكبير ج ٣٠ ص ٢٠٨.