(وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ)
قال أكثر المفسرين أنّ «أدبر» بمعنى ولّى وذهب ، أي قسما بالليل إذ سحب ذيوله مؤذنا بطلوع الفجر. وفي التفسير الكبير قال قطرب : إذا أقبل بعد مضيّ النهار (١) ، على أساس أنّه يقع في دبر النهار ويحلّ ظلامه على خطى رحيله الأخيرة ، وهذا رأي بعيد ، وقد عجز البعض عن إدراك وقع «إذ» في هذه الآية ودورها في أداء المعنى ، فافترض ما يشاء ، واعترض على قول الله سبحانه. قال القرطبي بعد بيان الاختلاف في القراءات والمصاحف : واختار أبو عبيد إذا أدبر (وليس إذ) قال : لأنّها أكثر موافقة للحروف التي تليه ، أتراه يقول : (وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ) ، فكيف يكون أحدهما «إذ» والآخر «إذا»؟ وليس في القرآن قسم تعقبه «إذ» وإنما يتعقّبه «إذا» (٢) ويبدو لي أن «إذ» هنا ظرفية لا شرطية كما في «إذا أسفر» ، فيكون المعنى أنّه تعالى يقسم باللحظة المباشرة لجمع الليل فلول ظلامه ، وكأنّه يريدنا أن نعيش ظاهرة إدبار الليل وبزوغ الفجر.
(وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ)
أي أضاء وانبلج نوره ، لأنّ الصبح له مراحل يتدرج عبرها ويتضح شيئا فشيئا ، حتى تطلع الشمس فتطرد كلّ فلول الظلام ، وتكشف للناظر عن وجه الطبيعة من حوله ، وفي اللغة : سفرت المرأة سفورا كشفت عن وجهها فهي سافر ، وأسفر مقدّم رأسه : انحسر عنه الشعر ، وانسفر الغيم تفرّق (٣) فأبدى وجه السماء ، ويقال للصبح أسفر لأنّه حينما يتشعشع نوره يكشف عن نفسه وعن الطبيعة بكلّ وضوح. وربّنا يقسم به في مرحلة الإسفار وليس في أيّ مرحلة أخرى من مراحله ،
__________________
(١) التفسير الكبير ج ٣٠ ص ٢٠٩.
(٢) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي ج ١٩ ص ٨٤.
(٣) المنجد مادة سفر.