(كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)
وتأكيد القرآن على هذه الحقيقة في كثير من المواضيع وبصيغ مختلفة ينطلق من كونها بصيرة أساسية يجب على الإنسان وعيها في حياته ، إذ هي روح المسؤولية ، والدافع الحقيقي لتحمّلها .. فمتى ما آمن أحد بالعلاقة بين واقعه وبين سعيه ومستقبله وبين سعيه في الحياة تحمّل مسئوليته بتمامها. ومن الآية الكريمة نهتدي إلى البصائر التالية :
ألف : أنّ فكرة الجبر فكرة خاطئة ، فإنّ الله قد جعل مصير البشر بأيديهم ولم يشأ أن يحتّم عليهم مصائرهم ، بل إنّهم هم الذين يرتهنون أنفسهم في النار بسعيهم السيء كالمجرمين أو يفكّون أسرهم ويصيرون إلى الجنة بأعمالهم كأصحاب اليمين ، وهذا من أبرز مظاهر العدالة والحكمة الإلهية. قال الامام الصادق (ع) يعظ واحدا من أصحابه : «اقصر نفسك عما يضرها قبل أن تفارقك ، واسع في فكاكها كما تسعى في معيشتك ، فإنّ نفسك رهينة بعملك» (١)
باء : أنّ هذه القاعدة جارية على كلّ نفس بدون استثناء أو تمييز بين أبيض وأسود ، أو ذكر وأنثى ، أو عربي وأعجمي ، فلا قيمة أسمى من العمل الصالح. هكذا يشرّع الله لعباده ، وذلك يعني أنّ كلّ الفلسفات الضيقة العنصرية والعرقية والقومية و.. و.. مرفوضة.
جيم : أنّ أغلب المآسي التي تصيب النفس وتصبح رهينة لها هي من كسبها وسعيها ، كما قال ربنا سبحانه : «وَما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ» (٢) ، فالحوادث إنّما نذوق طعمها لقلّة انتباهنا وضعف وعينا بأمور الحياة
__________________
(١) مجمع البيان ج ١٠ ص ٤٥٨.
(٢) الشورى ٣٠.