وأخلاق تتجسّد في الآخرة. ولتقريب الفكرة نقول : لو افترضنا (سقرا) سجنا ذا أربعة جدران من نار فإنّ كلّ واحدة من صفات المجرمين الأربع تمثّل واحدا منها.
ثالثا : الاسترسال مع التيّار.
(وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ)
قال قتادة : معناه كلّما غوى غاو للدخول في الباطل غوينا معه ، أي كنّا نلوّث أنفسنا بالمرور في الباطل كتلويث الرجل بالخوض ، فلمّا كان هؤلاء يخرجون مع من يكذّب بالحق مشيّعين لهم في القول كانوا خائضين معهم (١) ومثّل لذلك ابن زيد فقال : نخوض مع الخائضين في أمر محمد (ص) وهو قولهم : كاذب ، مجنون ، ساحر .. (٢).
الاستقلال من أهمّ أهداف الإنسان في الحياة ، باعتباره محتوى التوحيد ، وجوهر العبودية لله ، ولباب حرية الإنسان .. من هنا كان الخوض مع الخائضين والاسترسال مع التيّار الغالب أنّى اتجه كان ذلك جرما عظيما يرتكبه الإنسان في حقّ نفسه ، وهو يعتبر كذلك من مصاديق الشرك بالله ، الذي يستوجب عند الله أشدّ العذاب ، لأنّه عامل رئيسي من عوامل خطأ الإنسان وانحرافه وضلاله (٣).
وقد جاءت رسالات الله تهدي الإنسان إلى ذاته ، ومعرفة كرامته عند الله ، وآفاق عالمه الكبير ، بينما الشيطان ، وأولياؤه يريدون تضليل الإنسان عن نفسه ، وتجهيله بقيمتها وكرامتها ودورها المرسوم في انتخاب الخير ومحاربة الشر ، ومن هنا
__________________
(١) مجمع البيان ج ١٠ ص ٣٨٦.
(٢) فتح القدير ج ٥ ص ٣٣٣.
(٣) لقد بيّنا دور حسّ التوافق الاجتماعي السلبي في كتابنا المنطق الإسلامي أصوله ومناهجه ص ٢١٩ / ٢٤٠.