مبرّر له أبدا ، وإنّما يعتمد على التمنيات الواهية ، والخيال البعيد ، كما توحي الآية بأنّ مشكلة الإنسان ليست في عدم إيمانه بخطئه ، إذ أنّه إن لم يعترف به للناس فإنّه لا يستطيع الفرار منه أمام محكمة الضمير ، ولكنّ مشكلته كفره بالحقيقة الثانية ألا وهي القيامة ، التي تعني البعث والحساب والجزاء ، وذلك أنّه لا يستطيع استيعاب حقيقة العودة إلى الحياة بعد أن يموت ويصير أشلاء موزّعة وعظاما بالية تستحيل ذرّات تراب مع الأيام.
وجذر هذا التصور نجده حينما نبحث عنه في جهل الإنسان بقدرة ربه التي لا تحدّ ، وتقييم شؤون الخلائق بما فيها البعث والنشور من خلال قياساته الذاتية وقدراته المحدودة ، دون أن يعرف أنّ للكائنات العظيمة التي خلقها الله من جبال ووهاد وأراضي وبحار وسموات ومجرّات .. أنّ لها مقاييس أخرى لا تقاس بذاته.
ولهذا فإنّه حيث يجد نفسه عاجزة عن جمع عظام الموتى يحسب الأمر مستحيلا ، أمّا لو عرف ربّه لتغيّر تصوّره وموقفه ، وآمن بالآخرة مصدّقا قول ربه :
(بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ)
عن سعيد بن جبير قال : سألت ابن عبّاس عن الآية فقال : لو شاء لجعله خفّا أو حافرا .. ولكن جعله الله خلقا سويّا حسنا جميلا (١) ، وعنه قال : نجعلها كفّا ليس فيه أصابع (٢) ، والأقرب منه أن تكون التسوية هنا بمعنى الخلق الكامل ، بإعادة البنان على خلقها وكمالها الأوّل بعد الموت والتحلّل في التراب ، وهذا ردّ على شك الإنسان في قدرة الله على جمع الأعظم المتفرّقة الرميمة ، أي أنّه تعالى ليس قادرا على جمعها وحسب ، بل هو قادر على كسوها لحما وإعادة الحياة إليها. وإذا
__________________
(١) الدر المنثور ج ٦ ص ٢٨٧.
(٢) المصدر.