أنّ الكلمة بمعناها الأصلي وهو الشق والتحطيم ، وإنّما سمّي الفجر فجرا لأنّه يشقّ الظلام ويحطّمه ، والفجور في الأخلاق والسلوك مثل ذلك ، حيث أنّ الفاجر لا يلتزم بقيمة ولا قانون ، بل يشق عصا المجتمع والشرع باقتحام اللذات والخطايا ، ولا يريد أمامه شيئا يعيقه أبدا ، وهذا التفسير لا يعارض حديث الامام ولا أقوال المفسرين لأنّ التكذيب مقدمة ومصداق للفجور. ولم أجد من المفسرين من قال ذلك ، إلّا إشارة عند الرازي إذ قال : من أنكر المعاد بناء على الشهوة فهو الذي حكاه الله تعالى بقوله «الآية» ، ومعناه : أنّ الإنسان الذي يميل طبعه إلى الاسترسال في الشهوات ، والاستكثار من اللذات ، لا يكاد يقرّ بالحشر والنشر ، وبعث الأموات ، لئلّا تنغّص عليه اللذات الجسمانية ، فيكون أبدا منكرا لذلك (١).
والضمير في «أمامه» إمّا أن يعود إلى يوم القيامة ، أو إلى الله عزّ وجلّ ، حيث أنّ الفاجر يمارس فجوره في حضور وشهادة الله ، أو يكون عائدا على الإنسان نفسه باعتباره يفجر أمام ضميره وبشهادة من جوارحه التي تدلي بشهادتها عليه عند الحساب. والأصح أنّ الضمير يرجع إلى الإنسان ، لأنّ الحديث حوله وسائر الضمائر ترجع إليه ، ولعل هذا جعل ذلك مستساغا بينما يقال عادة : أمام نفسه.
(يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ)
لأنّ الكفر بالقيامة هو الذي يبرّر له التحلّل من المسؤولية ، فهو في سعي حثيث وجدل دائم من أجل إنكارها ، وصناعة قناعة ولو داهية لنفسه وللآخرين بذلك ، فسؤاله ليس سؤال استهزاء وسخرية فقط ، بل هو سؤال تبرير وجدل أيضا. وإنّها لصفة كلّ من يترك العمل بالحق ويخالف القيم ، إذ لا بد من تبرير لموقفه ، فكيف إذا كان فجورا؟
__________________
(١) المصدر ص ٣١٩.