أمام ناظريه ما يشبه النجوم الصغيرة ، ولعلّ هذه الظاهرة لون من بروق البصر. وفي المنجد : برق برقا تحيّر ودهش فلم يبصر ، البرقة : الدهشة والخوف (١). وبصر الإنسان يبرق يوم القيامة .. ومع أنّه يبرق عند الموت إلّا أنّ حمل المعنى على القيامة أقرب إلى السياق فالحديث عنها ، والمشاهد التالية متصلة بها لا بالموت.
(وَخَسَفَ الْقَمَرُ)
قال الزمخشري : ذهب ضوؤه ، أو ذهب نفسه (٢) ، وجاء الفعل معلوما بينما يقال عادة خسف ببناء الفعل للمجهول ، ولعلّه للدلالة على أنّه في الحالات الطبيعية يحجب نوره بعوامل خارجية كوقوع الأرض بينه وبين الشمس في حركتها السنوية ، ممّا يتسبب في حجب شعاعها عنه ووقوع ظل الأرض عليه. أمّا في الآخرة فإنّ القمر نفسه يخسف ولا يخسف بشيء خارجي ، فهو فاعل الخسف وليس غيره.
ومشهد مريع آخر يلفت القرآن نظرنا إليه ، وهو اختلال النظام الكوني في الحياة ، ومن مظاهره جمع الشمس والقمر ، وهذه النتيجة حتمية وطبيعية في ذلك اليوم ، فالكون والنظام إنّما أوجدهما الله للإنسان ، وحيث ينتهي دوره في الدنيا ينتهي معه كلّ متعلّق به.
(وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ)
وعلماء الفلك يدركون الآثار التي يخلّفها مثل هذا الأمر على الكائنات ، وما هو أعظم وأرهب بالنسبة للإنسان من هذه الأحداث الكونية تلك الحقائق التي يمثّلها يوم القيامة ويكشف عنها ، وأهمّها حقيقة الجزاء والمسؤولية ، التي طالما كذّب بها
__________________
(١) المنجد / مادة برق.
(٢) الكشّاف / ج ٤ ص ٦٦٠.