وسعى للفرار منها بشتى الحيل والذرائع ، فهناك يجد نفسه وجها لوجه أمامها ولا سبيل له للهرب منها.
(يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ)
وإنّما يكشف القرآن للإنسان مشاهد الآخرة حتى يزرع التقوى في نفسه فيضع بذلك حدا لفجوره وغروره ، ولأنّ المعرفة بالمستقبل والإيمان بحقائقه يخلّف توازنا في مسيرته الدنيوية الحاضرة ، فهو إنّما يفجر زعما منه بأن سيجد مهربا من المسؤولية.
(كَلَّا لا وَزَرَ)
أي ملجأ ومأوى. قال المبرّد والزجّاج : أصل الوزر الجبل المنيع ، ثم يقال لكل ما التجأت إليه وتحصّنت به وزر (١) ، ومنه الوزير الذي يلجأ إليه في الأمور (٢) ، يقال وزرت الحائط ، إذا قويت بأساس يعتمد عليه ، وقال الحسن : لا جبل ، لأنّ العرب إذا دهمتهم الخيل بغتة قالوا : الوزر ، يعنون الجبل (٣).
وفي الآخرة لا يجد أحد مفرّا ولا ملجأ من جزائه ، وعذاب ربه ، بلى. هناك مفر واحد فقط ينفع الإنسان ، وهو أن يفر إلى ربه الذي منه العذاب ، وإليه المصير ، ولا يكون ذلك فجأة ، إنّما يحتاج الأمر إلى تمهيد في الدنيا قبل الآخرة.
(إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ)
قال صاحب المجمع : أي ينتهي الخلق يومئذ إلى حكمه وأمره ، وقيل «المستقر»
__________________
(١) التفسير الكبير ج ٣٠ ص ٢٢١.
(٢) مجمع البيان ج ١٠ ص ٣٩٥.
(٣) التبيان ج ١٠ ص ١٩٤.