المكان الذي يستقرّ فيه المؤمن والكافر ، وذلك إلى الله لا إلى العباد (١). والأصح إطلاق الكلمة كي تتسع إلى كلّ المعاني الموحية بها هذه العبارة ، كالقرار ، والمصير ، والمقر ، والحكم ، والأمر .. إلخ ، وفي ذلك تنبيه للإنسان على أنّ الدنيا ليست محلّا للخلود والاستقرار ، ولا محطة أخيرة ، فيجب أن يكيّف نفسه مع هذه الحقيقة الهامة ، وليس معنى الآية أنّ المستقر دون ذلك اليوم ليس لله «فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى» (٢) ، ولكن حكمته اقتضت أن تكون لنا الحرية في الدنيا ، ويومئذ يكشف لنا الغطاء بصورة أوضح وأجلى عن هيمنته وسلطانه المطلقين ، ونكتشف فيما نكتشف علمه وإحاطته التامّين حينما يعرضنا للحساب والجزاء فنجد أنّه أحصى كلّ صغيرة وكبيرة لنا وعلينا.
(يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَأَخَّرَ)
في التبيان ومثله المجمع : أي يخبر الإنسان يوم القيامة بأوّل عمله وآخره فيجازى به ، وقيل : بما قدّم من العمل في حياته ، وما سنّه فعمل به بعد موته من خير أو شر ، وقيل : بما قدّم من المعاصي (على الطاعات) وأخّر من الطاعات (٣) (على المعاصي). قال الإمام الباقر (ع) : «بما قدّم من خير وشر ، وما أخّر ممّا سنّ من سنّة ، ليستنّ بها من بعده ، فإن كان شرا كان عليه مثل وزرهم ، ولا ينقص من وزرهم شيء ، وإن كان خيرا كان له مثل أجورهم ، ولا ينقص من أجورهم شيء» (٤).
وحضور مشهد الحساب الأخروي في وعي الإنسان في الدنيا له دور كبير في
__________________
(١) مجمع البيان ج ١٠ ص ٣٩٥.
(٢) النجم / ٢٥.
(٣) مجمع البيان ج ١٠ ص ٣٩٥.
(٤) تفسير القمّي ج ٢ ص ٣٩٧.