بعثه على التقوى والطاعة ، وممارسة النقد الذاتي البنّاء. وإنّ الله قادر أن يجازي الناس مباشرة بعد بعثهم ولا أحد يسأله عمّا يفعل ، ولكنّه يأبى إلّا أن يجلي علمه وعدالته لخلقه.
[١٤ ـ ١٥] والسياق مهّد السبيل للحديث عن البصيرة الأساسية التي تعتبر محورا هامّا في السورة ، وهي وعي الإنسان بمسؤوليته عبر استثارة نفسه اللوّامة ، التي تجعله عليها شاهدا ورقيبا ممّا يصلح مسيرته ويوجّهه إلى تحمّل المسؤولية بتمام المعنى ، فلا يمارس الخطيئة لأنّها تحتاج إلى التبريرات والأعذار ، وهي لا تنفع شيئا عند الله ولا عند محكمة نفسه.
(بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ* وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ)
وهنا نهتدي إلى عدّة بصائر :
١ / يهدف الإسلام عبر منهجه التربوي تنمية وازع الضمير عند الإنسان كضمانة أساسية لالتزامه بالشرائع. من هنا فإنّ القرآن يذكّره بالحقائق الوجدانية المرة بعد الأخرى.
٢ / كما أنّ الإنسان لا يجد مفرّا من حكومة الله يوم القيامة ولا تنفعه الأعذار ، فإنّه حين يراجع ذاته (ضميره وعقله) يواجه نفس الموقف ، حيث يعلم بأنّ الأعذار التي يقدّمها لا واقع لها ، فهي قد تخدع غيره ولكن لن تخدع وجدانه.
٣ / إنّ الأعذار التي يلقيها الإنسان أكثرها كاذبة ، يلجأ إليها لتبرير أخطائه وسلوكيّاته المنحرفة ، وهي لا تغيّر من الواقع شيئا لا عند الله ولا عنده. وورود الكلمة بالجمع «معاذيره» فيه دلالة على أنّه يتقن فنّ صناعة التبرير ، وأنّه حينما يريد تبرير موقف أو عمل ما متصل به لا يكتفي بعذر واحد بل يختلق أعذارا كثيرة.