في سياق إلّا ويفسّرها ذات السياق قبله وبعده ، ببيان مصاديقها وأمثلتها التاريخية وشواهدها الواقعية ، فلا يدع الناس في حيرة من أمرها ، وأبرز مثل لذلك سورة الإخلاص حيث تأتي كلّ كلمة فيها تفسيرا لما سبقتها ، فتفسير «قل» يأتي بما بعده من قوله : «هو الله» ، وتأويل «هو» : «الله» ، وتفسير الصمد هو أنّه لم يلد ولم يولد ، كما أنّ مجملات القرآن في سورة تفسّرها مفصّلاتها في سور أخرى ، وهكذا جعل الله القرآن ميّسرا للذكر بسبل شتى.
[٢٠ ـ ٢٥] ولكن هل يقتنع الإنسان بذلك البيان ويلزم نفسه بالحجج؟
(كَلَّا)
لأنّه يريد أن يفجر أمامه ، ومن ثمّ لا يتبع عقله باعتباره يحدّد سلوكه وأفعاله ، وإنّما يتبع هواه ، وتابع الهوى لا يعرف حدّا ولا قيمة. وعنوان اتباع الهوى هو حبّ الدنيا الذي يترتّب عليه ترك الآخرة.
(بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ* وَتَذَرُونَ الْآخِرَةَ)
وهذا هو جذر كلّ خطيئة عند الإنسان ، كما بيّن رسول الله (ص) في حديثه المشهور : «حبّ الدنيا رأس كلّ خطيئة». وقد قال الله : «العاجلة» ولم يقل : (الدنيا) لأنّه يريد الحديث عن صفة عند البشر هي التي تدعوه للهث وراء حطام الدنيا وترك الآخرة ، وهي كونه يحب كلّ مقدّم معجّل ، ويقدّمه على كلّ مؤخّر مؤجّل ، دون النظر إلى المصلحة العامة والأساسية في أيّهما تكون ، فقد يختار دينارا معجّلا على ألف مؤجّلة ، مع أنّه قد لا يجد دليلا ينفي ما في المستقبل.
وعلاج هذه المعضلة البشرية يتم بإيجاد التوازن في وعيه بين الحاضر والمستقبل ، وينتهج القرآن من أجل ذلك نهج التذكرة والتصوير لمشاهد الآخرة ممّا يزيدها