مخلوق ، وحيث يستريحون بالنوم فليس لذاته ، بل لينهضوا من بعده إلى عمل دؤوب وإنجازات عظيمة ، فإذا بك تدرس حياة أحدهم لتقسم إنجازاته على أيّام عمره تجده أحيانا يسبق الزمان بإنجازاته الكبيرة ، وعلى عكسهم أولئك الذين يستسلمون لحب النوم والراحة ، فإنّ واحدهم يعيش ثمانين عاما في ظاهر الأمر ولكنّك حينما تقيّم حياته على أساس الأعمال والمنجزات تجده لم يعش أكثر من عشرين أو ثلاثين سنة ، لأنّه كان ينام ساعات طويلة في اليوم ، أمّا أوقات يقظته فإنّها تضيع بين غفلة ولهو ولعب.
بلى. إنّ الله يريد لنا أن نقوم النصف الآخر من أعمارنا ، والذي عادة ما يخسره الناس ، قياما نعمره بالعمل الصالح ، وأيّ عمل صالح أفضل من التقرب إليه تعالى ، والتدبر في كتابه ، واستثارة العقل بايآته فيه وفي الطبيعة؟
وإذا كان الأمر القرآني «قم» ظاهر في الوجوب بالنسبة إلى النبي والمعصومين ـ عليه وعليهم الصلاة والسلام ـ ومحمول على الاستحباب لمن سواهم فإنّ المتقين يتلقّونه على وجه الفرض عمليّا ، بحيث يلتزمون قيام الليل كالتزامهم بالصلوات اليومية ، انطلاقا من تحسس أهمية هذا الأمر ودوره في حياتهم وشخصيتهم وحركتهم ، وإيمانا بأنّ القرآن موجّهة آياته إلى كلّ فرد فرد ، وإليهم بصورة أخص من العالمين.
[٣] وبعد أن أمر الله تعالى نبيّه (ص) ومن خلاله كلّ مؤمن بقيام الليل إلّا قليلا كأعلى وأفضل نسبة للقيام ، يضعنا أمام ثلاثة خيارات أخرى :
(نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً* أَوْ زِدْ عَلَيْهِ)
وقد اختلف في الضمير المتصل بكلمة النصف هل هو عائد على الليل أو على القليل ، وبالتالي اختلف نحويّا في كون «نصفه» بدلا عن أيّهما؟ فقال البعض