ثم يشير القرآن إلى صفة أخرى في الأكواب التي يطاف بها على المؤمنين فيقول :
(قَدَّرُوها تَقْدِيراً)
قال ابن عبّاس : أتوا بها على قدرهم ، لا يفضلون شيئا ، ولا يشتهون شيئا بعدها ، وعن مجاهد : أنّها ليست بالملأى التي تفيض ، ولا ناقصة بقدر ، وقال ابن عبّاس : قدّرتها السقاة (١) ، وقيل : قدّروها في أنفسهم قبل مجيئها على صفة فجاءت على ما قدّروا ، والضمير في قدّروها للشاربين (٢). والذي يبدو لي أنّ المراد من الآية هنا أنّ الأكواب التي يطاف بها مقدّرة ومحكمة من كلّ جوانبها ، في شكلها وحجمها وشرابها وعددها وكلّ شيء. قال الزمخشري : فإن قلت ما معنى كانت في قوله : «كانَتْ قَوارِيرَا»؟ قلت : هو من يكون في قوله : «كن فيكون» أي تكوّنت قواريرا بتكوين الله ، تفخيما لتلك الخلقة العجيبة الشأن ، الجامعة بين صفتي الجوهرين المتباينين (٣).
(وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً)
والزنجبيل يعطي ما يمزج إليه نكهة طيّبة ، كما أنّه بذاته فيه فوائد كثيرة ، قال في التبيان : الزنجبيل ضرب من القرفة ، طيّب الطعام ، يلذع اللسان ، يربى بالعسل ، يستدفع به المضار ، إذا مزج به الشراب فاق في الإلذاذ ، والعرب تستطيب الزنجبيل جدّا (٤). وربّنا يقول :
__________________
(١) المصدر / ٣٠١.
(٢) مجمع البيان / ج ١٠ ص ٤١٠.
(٣) الكشّاف / ج ٤ ص ٦٧٠.
(٤) التبيان / ج ١٠ ص ٢١٤.