(فَالْمُلْقِياتِ ذِكْراً)
الملائكة تلقي رسالات الله على الأنبياء ، ولكنّ الملائكة ليست وحدها التي تذكّرنا بالله إنذارا وإعذارا فإنّ الرياح تفعل ذلك أيضا ، لا فرق إن كانت رياح عذاب أو رياح رحمة ، والغيث النازل منها هو الآخر ذكر عظيم باعتباره يذكّرنا بالبعث والخروج عند ما يسقي الأرض فتراها اهتزّت وربت وأنبتت من كلّ زوج بهيج ، وهذه الفكرة تفسّر لنا اقتران الكلام عن القرآن ورسلات الله كثيرا بالحديث عن منظر الغيث وما يتلوه من ظواهر طبيعية على الأرض.
(عُذْراً)
عذرا بإقامة الحجة حيث ألقى الله الذكر عبر الملائكة ، أو حذّرهم وذكّرهم بالرياح العاصفة .. كلّ ذلك قبل أن ينزل عليهم العذاب.
(أَوْ نُذْراً)
والإنذار معروف ، ولكن نتساءل عن الفرق بينه وبين الإعذار ، ولعلّ الجواب : أنّ الإعذار يأتي عند ما لا يستجيب الإنسان للإنذار ، بينما الإنذار أعم ، وربما يكون عند الاستجابة إذا قورن بالإعذار ، وقد قيل : لقد أعذر من أنذر ، وربما يعود إلى هذا المعنى جملة ما ذكره المفسّرون ، قال شيخ الطائفة : وقيل : إعذارا من الله ، وإنذارا إلى خلقه ما ألقته الملائكة من الذكر إلى أنبيائه ، وأضاف : فالعقاب على القبيح بعد الإنذار يوجب العذر في وقوعه ، وإن كان بخلاف مراد العبد الذي استحقّه (١). وقيل : عذرا يعتذر الله به إلى عباده في العقاب أنّه لم يكن إلّا على وجه الحكمة ، ونذرا : أي إعلاما بموضوع المخافة ، عن الحسن (٢).
__________________
(١) التبيان / ج ١٠ ص ٢٢٤.
(٢) مجمع البيان / ج ١٠ ص ٤١٥.