وإنّ أهم ما تلقيه المرسلات ملائكة ورياحا تذكيرها بالآخرة وبأنّ وعد الله صادق. أوليس تتلاحق الظواهر الطبيعية في الكائنات فتأتي الرياح مرسلات عاصفات ناشرات فارقات ، وتأتي بعدها المواسم الخيّرة والسنين المباركة ، أو تأتي العواصف الهوج ويأتي من بعدها الدمار؟ أوليست هذه الظواهر يشهد أوّلها على آخرها؟ كذلك شواهد العذاب تنذرنا بوعد الله الواقع به ، كما شواهد الرحمة تبشّرنا بوعد الله الواقع بها.
(إِنَّما تُوعَدُونَ لَواقِعٌ)
وهذا جواب القسم المتقدّم في الآيات السابقة ، وهو مدعوم بثلاثة تأكيدات : إنّ ، والحصر ، واللام في : «لواقع». ومع أنّ البعض حصر الوعد في القيامة واحتجّ : بأنّه تعالى ذكر عقيب هذه الآيات علامات يوم القيامة (١) ، إلّا أنني أختار الإطلاق الشامل لكلّ وعد إلهي ، كوعده بنصر المؤمنين ودحر الظلمة ، وإحياء الأرض بعد موتها بالمؤمنين ، وغلبة دينه ورسله والمؤمنين على الدّين كلّه في آخر الزمان بظهور منقذ البشرية الإمام الحجة المنتظر ـ عجل الله فرجه ـ والذي يهدينا إلى هذا التفسير الشامل هو أنّ القرآن حمّال ذو وجوه ، وتفسيره يكون أصحّا كلّما كان أشمل ، وقد وجدت من قال بإطلاق الوعد من المتقدّمين الكلبي الذي قال : المراد أنّ كلّ ما توعدون به من الخير والشر لواقع. وحيث أنّ وعد الله بالبعث والحساب والجزاء هو أظهر مصاديق الوعد وأقربها إلى الأذهان كما إلى دلالة السياق فإنّه الأظهر تأويلا من أيّ مصداق آخر.
وإنّ اطمئنان الإنسان لوعد ربه ـ وبالذات الآخرة ـ أمر في غاية الأهمية ، باعتباره يبعث روح التسليم لله في كلّ أبعاد الحياة ، ويبعث فاعلية العمل وتقوى
__________________
(١) التفسير الكبير / ج ٣٠ ص ٢٦٨.