المراد محقت ذاتها ، وهو موافق لقوله «انتثرت» و «انكدرت» وأن يكون المراد : محقت أنوارها ، والأوّل أولى لأنّه لا حاجة فيه إلى الإضمار (١). والأقرب عندي ما قاله الرازي لأنّ أصل الطمس من المحو وغياب المطموس.
كما يظهر من ملاحظة الآيات القرآنية التي تناولت موضوع القيامة من زاوية حال النجوم يومئذ أنّها كما الجبال تمرّ بمراحل حتى تنتهي وتزول ، فهي تنتثر عن بعضها ونسقها بسبب اختلال نظامها الكوني أوّلا ، ثم تنكدر واحدة واحدة ، ثم تطمس تماما فلا يبقى منها شعاع يدلّ عليها.
(وَإِذَا السَّماءُ فُرِجَتْ)
في تفسير القمّي : «تنفرج وتنشق» هكذا جاء في رواية عن أبي الجارود عن الإمام الباقر (ع) (٢) ، وفي مجمع البيان : أي صارت فيها فروج (٣) ، بعد أن كانت محبوكة محكمة لا ثغرة في نظامها ولا منفذ في بنيانها أبدا (لا تفاوت ولا فطورا) ، ولعل هذه مرحلة أولية تعقبها مراحل متتالية أخرى. وحسبما يظهر من آيات كريمة أخرى : أنّ مراد القرآن من ذكر تبدّل نظام الخليقة سلب اعتماد الإنسان عليه ، ليصبح وجها لوجه أمام مسئولياته ، فالسماء التي كانت سقفا محفوظا تصبح يومئذ واهية ، والجبال التي كانت ملاذا وكهفا تصبح كثيبا مهيلا ، والأرض التي كانت مهدا مطمئنا تميد بزلزال عظيم ، وهكذا.
(وَإِذَا الْجِبالُ نُسِفَتْ)
قالوا : نسف البناء : قلعه من أصله ، والجبال : دكّها .. ونحن ندرك ما ذا يعني
__________________
(١) التفسير الكبير / ج ٣٠ ص ٢٦٩.
(٢) تفسير القمّي / ج ٢ ص ٤٠٠.
(٣) مجمع البيان / ج ١٠ ص ٤١٥ بتصرف.