أبدا مهما عرّف له ، وذلك لأنّ تلك الحقائق كبيرة ليست بحجم معارفنا ، فهل نقدر أن نستوعب ـ مثلا ـ معنى انفجار ألف قنبلة نووية في لحظة واحدة؟ كلّا .. من هنا يؤكّد ربّنا في مواضع كثيرة بعد الحديث عن الآخرة القول : «وما أدراك» تارة وما يدريك تارة أخرى.
ولا يفصل السياق في بيان أحوال الناس ومصائرهم يومئذ ، بل يكتفي بإشارة تتضمّن الوعيد والإنذار بمصير أولئك المكذّبين بالآخرة ، الذين أبعدوا عن أفكارهم مشاهد الحساب وحقائق الجزاء الأكبر فيها ، فأطلقوا لأنفسهم عنان الهوى والشهوة ، وتخبّطوا في الجريمة والفاحشة خبط عشواء ، دون أدنى حساب أو إحساس بالمسؤولية.
(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ)
وكلمة «ويل» كما تكرّر القول مطلقة تشمل ألوان العذاب المادي والمعنوي ، والتي تتجسّد في واد من أشدّ أودية جهنم خزيا وعذابا ، ولهذا تخصّص الويل بقوله تعالى : «يومئذ» حيث لا يعني أنّهم لا ويل لهم هنا في الدنيا ، ولكنّه يحمل على أشدّ ألوان الويل هناك ، باعتبار ذلك اليوم أظهر مصاديق ورطتهم في الويلات والثبور.
وأيّ ويل هذا الذي يهدّد به القرآن المكذّبين؟ لكي نعرفه دعنا نتذكّر نموذجا صغيرا منه يتمثّل في عذاب المكذّبين في الدنيا.
وهكذا يذكّرنا القرآن بعاقبة المكذّبين في الدنيا عبر أرقام وحقائق مادية محسوسة لا تقلّ حقيقة الآخرة عنها وضوحا لدى العقلاء إن لم تكن أشدّ وأصفى ، فيتساءل السياق سؤال مستثير لأولي الألباب نحو التفكير في مصائر المكذّبين من خلال دراسة