الويل كنتيجة طبيعية لتكذيبهم بقيادة الحق ونهجه في الحياة ، وانصرافهم عنهما إلى قيادة ضالة ومنهج خاطئ يقودان الإنسان إلى الويل بعد الويل.
[٢٠ ـ ٢٤] ولما ذا يكذّب الإنسان بآيات ربه وبالذات حقيقة الآخرة؟ لما ذا يكذّب بالبعث والنشور بعد الموت؟ هل لأنّ الآيات الهادية إلى ذلك غير قائمة ، ولأنّ معرفته بربه وبقدرته الواسعة التي لا تحدّ ناقصة؟ كلّا .. فلنتفكّر في أصل خلقتنا ، وكيف أنّها آية بينة تهدي إلى الإيمان بقدرته تعالى على كلّ شيء ، فلقد انطلقنا في الحياة الدنيا من حويمن صغير وحقير ومستقذر لا يرى إلّا بالمجاهر المكبّرة ، استقر ليس بإرادتنا بل بمشيئة الله في رحم أمّهاتنا ، ثم نمّاه الله ضمن ملايين القوانين والسنن التي نجهل أكثرها فضلا عن ادّعاء التحكّم فيها ، حتى خلقنا بشرا سويّا ذكرا أو أنثى. وربّنا يضعنا أمام هذه الحقائق الفطرية التي لا سبيل لأحد إلى إنكارها.
(أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ)
قال القمّي : منتن (١) ، وقيل : حقير ، وعليه أكثر المفسرين ، وإنّ المتأمّل ليرى كلّ أسباب الهوان في ذلك الماء ، فحجمه صغير ، ورائحته منتنة ، وهو مستقذر عند الإنسان نفسه فلا يقيم له وزنا ، ولك أن تعجب إذا عجبت من البشر حينما يتكبّر ويركب مطيّة الغرور ، ليس في مقابل بني جنسه وحسب ، بل في مقابل ربه العظيم أيضا!! وحقّ لأمير المؤمنين علي (ع) أن يعجب فيقول : «وعجبت للمتكبر الذي كان بالأمس نطفة ، ويكون غدا جيفة (إلى أن يقول :) وعجبت لمن أنكر النشأة الأخرى وهو يرى النشأة الأولى» (٢) ، وإنّه لعجب حقّا أن ينسى الإنسان فضل ربه عليه وإكرامه له بعد أن كان مهينا ، فإذا به وهو المخلوق الضعيف يكذّب ربّ
__________________
(١) تفسير القمي / ج ٢ ص ٤٠٠.
(٢) نهج البلاغة / حكمة ١٢٦.