إنّ النفس اللوّامة توخز ضمير الكاذب المنحرف ، وإنّ عقله يهديه إلى الإعتبار بمصير الغابرين ، ولكنّ نفسه الأمّارة بالسوء تلحّ عليه باتباع الشهوات وامتطاء مركب الغرور والجحود ، وهنا يقدم الشيطان بالحلّ الوسط ، هو التسويل والتزيين ، فيؤوّل آيات الذكر ، ويعتذر للدعاة إليها ، ويبرّر للناصحين ، ويخادع نفسه .. وهكذا تجد أكثر المكذّبين والمجرمين يعدّون تبريرات وأعذار لأنفسهم كما للآخرين بما يزعمون أنّها سبب انحرافهم وفسادهم ، ولكن في يوم القيامة ليس لا تقبل منهم تلك المعاذير الباطلة بل ولا يسمح لهم بسردها لأنّها محكومة سلفا بالسفاهة والدجل ، ممّا يدعونا إلى إعادة النظر وبصورة جدّيّة فيما نعتذر به للآخرين أو نخدع به أنفسنا انطلاقا من الثقة بأنّها لا تغني عنّا شيئا في يوم القيامة.
(وَلا يُؤْذَنُ لَهُمْ فَيَعْتَذِرُونَ)
لأنّ الاعتذار النافع هو اعتذار الإنسان لربه في الدنيا عن الخطيئات بالتوبة الخالصة ، أمّا الآخرة فهي للفصل والجزاء فقط ، من هنا لا يؤذن لهم للاعتذار ، والإمام الصادق (ع) يهدينا إلى فكرة دقيقة في الآية فيقول : «الله أجلّ وأعدل وأعظم من أن يكون لعبده عذر ولا يدعه يعتذر به ، ولكنه فلج فلم يكن له عذر» (١) ، بلى. إنّهم لا يريدون الجدال عن حقّهم بالمنطق السليم ، وإنّما يريدون التوسّل بالأعذار الواهية ، ولذلك لا يؤذن لهم. وهذا من حكمة الله عزّ وجلّ إذ لو كان يترك الإنسان يفعل ما يشاء في الحياة الدنيا ، ثم يفتح له يوم الفصل باب التبرير لفسدت حكمة الخلق ، كلّا .. بل لهم الويل بعد الويل.
(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ)
ومن هذه الآية نكتشف أنّ الأعذار الواهية هي بدورها كذب ولصاحبها
__________________
(١) نور الثقلين / ج ٥ ص ٤٩٠.