والآية تهدينا من جهة أخرى إلى أنّ لهث البشر وراء حطام الدنيا ومتعها هو العامل الرئيسي في ضلاله واقتحامه كلّ جريمة .. وليس لهذا الأمر من علاج في نفس المكذّب المجرم إلّا بالتفكير في العاقبة يوم الفصل ، لأنّ ذلك مدعاة للعاقل أن يترك المتع القليلة في ذاتها ومدّتها والموجبة للويل المقيم يومذاك ، وهذا ما يفسّر علاقة الآية (٤٦) بقول الله بعدها :
(وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ)
وحينما يستحضر الإنسان في وعيه وتصوّره حقائق ذلك اليوم فسوف يجد نفسه مدفوعا لترك الجريمة وكلّ أكله ومتاعه لا ترضي الله ، ومن ثم ترك التكذيب إلى الإحسان ، والطمع في نعيم الآخرة ، والتسليم لله ولرسله ورسالاته ، لأنّ جاذبية شهوات الدنيا لا تقاوم إلّا بمثل جاذبية الجنة وخشية مصير المكذبين والمجرمين ، ووعي العذاب الشديد الذي ينتظر المكذبين.
ويبين القرآن صفة أخرى للمكذّبين إضافة إلى لهثهم وراء حطام الدنيا ومتعها ، وإضافة إلى كونهم مجرمين ، ألا وهي عدم تسليمهم لأوامر الله وعدم خضوعهم لها.
(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ)
قال مقاتل : نزلت في ثقيف حين أمرهم رسول الله (ص) بالصلاة فقالوا : لا ننحني ، وأضاف العلّامة الطبرسي : والرواية لا ننحني فإنّ ذلك سبّة علينا ، فقال رسول الله : «لا خير في دين ليس فيه ركوع وسجود» (١) ، ذكر ذلك أغلب المفسرين. وقد ذكر الركوع بالذات لأمرين رئيسين :
__________________
(١) مجمع البيان / ج ١٠ ص ٤١٩.