فلك في النهار فراغ تقضيه (١) ، وجدير أن ننقل هنا ما قاله العلّامة الطبرسي : إنّ مذاهبك في النهار ومشاغلك كثيرة ، فإنّك تحتاج فيه إلى تبليغ الرسالة ، ودعوة الخلق ، وتعليم الفرائض والسنن ، وإصلاح المعيشة لنفسك وعيالك ، وفي الليل يفرغ للتذكرة والقراءة ، فاجعل ناشئة الليل لعبادتك ، لتأخذ بحظّك من خير الدنيا والآخرة ، وفي هذا دلالة على أنّه لا عذر لأحد في ترك صلاة الليل لأجل التعليم والتعلّم ، لأنّ النبي (ص) كان يحتاج إلى التعليم أكثر ممّا يحتاج الواحد منّا ، ثم لم يرض أن يترك حظّه من قيام الليل (٢) ، فلا يصح أن يتعلل المؤمن بشيء عن قيامه ، ففي النهار فرصة كافية للمهامّ الأخرى ، أمّا اللّيل فإنّه بالدرجة الأولى موضوع للقيام.
[٨] في حديث معروف : إن شئت أن يكلّمك الله فاقرأ القرآن ، وإن شئت أن تتكلّم مع الله فناجه ، وهكذا المؤمنون في قيامهم الليلي تراهم يبادلون ربهم الحديث ، فمرة يتلون الكتاب وأخرى يذكرون ربهم بالدعاء ، كما أمرهم الله فقال :
(وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ)
وذكر الله هو مخ العبادة ، بل هو الهدف الرئيسي في الإسلام ، لأنّ نسيانه تعالى سبب كلّ انحراف في حياة الإنسان. وقال : «اسم ربك» لأنّ المخلوق عاجز عن معرفة الذات والاتصال بها مباشرة ، فجعل الله أسماءه ذرائع العباد ووسائلهم إليه ، وذكر أسماء الله ليس بتلفّظ حرفها وحسب ، بل بالإيمان بها ومعرفته من خلالها ، إذ لكلّ اسم منها انعكاس في خلقه.
ولقوله : «اسم» بالإفراد دلالة على الإطلاق الذي يفيده استخدام أيّ اسم من
__________________
(١) التبيان ج ١٠ ص ١٦٣.
(٢) مجمع البيان / ج ١٠ ص ٣٧٨.