(رَبِّ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُمَا الرَّحْمنِ)
وما ظنّك بالرحمن الذي وسعت رحمته كلّ شيء إذا شاء أن يجزل العطاء؟
(لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطاباً)
إنّه عظيم إلى درجة تعاليه عن تخاطب خلقه ، لو لا رحمانيته التي ينزل بها وحيه على عباده عبر رسول أو من وراء حجاب.
ولو لا أنّ الله سبحانه أذن لعباده بدعائه ، وألقى في قلوب مريديه أنوار محبته ومناجاته ، لما استطاع الإنسان ـ أيّ إنسان ـ أن يسمو إلى درجة مخاطبته. أليس الخطاب بحاجة إلى توافق طرفين ، أو فرض طرف على آخر؟ والله ليس بمستوى خلقه حتى يتوافق معه ، ولن يفرض عليه شيء. وهكذا تشير الآية إلى أنّ البشر وسائر الخلق ليسوا بمستواه ، وأنّهم لا يملكون منه شيئا فلا يفرضون عليه شيئا ، وهو يملكهم ، وبرحمته يتفضّل عليهم بمخاطبتهم ، وقد يأذن لبعضهم إذنا تكوينيّا وتشريعيّا بمخاطبته ، وذلك حين يعرّفهم نفسه ويلهمهم مناجاته.
وقد اختلفوا فيمن لا يملك الخطاب ، هل المؤمنون الذين ذكروا آنفا ، أم الكفّار باعتبارهم المطرودون عن باب رحمته ، أم كلا الفريقين؟ يبدو أنّ الضمير ليس يعم المؤمنين والكفّار فحسب بل ويشمل سائر الخلائق (الجن والملك والروح) بشهادة الآية التالية التي جاءت تفصيلا لهذه الآية ، ومثلا ظاهرا .. بالرغم من أنّ هذه الآية ـ فيما يبدو لي ـ لا تخص يوم القيامة ، بلى. يوم القيامة تتجلّى هذه الحقيقة بوضوح أكبر.
[٣٨] تتجلّى عظمة ربنا لعباده يوم البعث الأكبر حين يقوم الروح بكلّ عظمته وجلاله بين يديه ، والملائكة صفّا لا يتكلّمون ، وقد خشعت أصوات الخلائق