فراقها من الدنيا ، وهذا تفسير غريب.
٣ / وقال بعضهم : أنّها صفة خيل الغزاة أو الغزاة أنفسهم ، لأنّها تنزع في أعنّتها نزعا تغرق فيه الأعنّة لطول أعناقها لأنّها عراب ، وهي ناشطات لأنّها تخرج من دار الأمان إلى جبهات الحرب ، وهي سابحات لأنّ العرب تشبّه الخيل الأصيل بالسفينة التي تجري بيسر وسرعة ، وقالوا : إنّها تدبّر أمر الغلبة والنصر.
وإنّ هذا التفسير يبدو مقبولا إذا لاحظنا أنّ ربنا أقسم بخيل الغزاة أو عموما بالخيل في قوله سبحانه : «وَالْعادِياتِ ضَبْحاً ، فَالْمُورِياتِ قَدْحاً» (١) ، وكانت للعرب علاقة حميمة مع الخيل ، كما أنّه كان رمزا للشجاعة والفروسية.
إلّا أنّ تفسير «المدبّرات أمرا» بها يبقى غريبا ، لذلك قال بعضهم : إنّه لا خلاف في تفسير هذه الآية بالملائكة أنّى فسّروا سائر الآيات ، بينما يبدو أنّ المراد بكلّ هذه الكلمات نوعا واحدا من الخلائق ، والله العالم.
[٦] وأنّى كان تفسير هذه الكلمات الصاعقة فإنّها تهزّ الضمير ، بل ويزداد المرء هلعا حين لا يعلم المراد منها بالضبط ، وهنا يقول الرب :
(يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ)
حين تزلزل الأرض زلزالها ، حين تعم الصيحة أرجاء الكون ، حين تهتز كلّ الثوابت فلا يبقى ما يعتمد عليه الإنسان سوى الحق. وسواء كانت الرجفة بمعنى الحركة كقوله سبحانه : «يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ» ، أم بمعنى الصيحة كما قال سبحانه : «فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ» ، فإنّها تخلع القلوب هلعا ، وتبعثنا نحو التفكير الجدي فيما يفعل بنا غدا.
__________________
(١) التفسير الكبير ج ٣٢ ص ٦٣.