فكان بين الأولى والآخرة أربعون سنة ، وإنّما قال ذلك لقومه «أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى» حين انتهى إلى البحر فرآه قد يبست فيه الطريق فقال لقومه : ترون البحر قد يبس من فرقي ، فصدّقوه لما رأوا ، وذلك قوله عزّ وجل : «وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ وَما هَدى» (١).
[٢٥] وجاءت النهاية المريعة حيث أخذه الله أخذا وبيلا ، وألزمه عذاب الدنيا فالآخرة.
(فَأَخَذَهُ اللهُ نَكالَ الْآخِرَةِ وَالْأُولى)
قالوا : النكال من النكل وأصله الامتناع ، ومنه النكول عن اليمين ، والنكل : القيد ، ومعناه هنا : العاقبة السيئة للعمل والتي تبقى عبرة لمن بعده ، لأنّ النكال اسم لما جعل نكالا للغير أي عقوبة له حتى يعتبر به. ثم قالوا : إنّه بمعنى أخذه الله أخذا وبيلا فجعل النكال محل «أخذ وبيلا» ، وهذا كثير في العربية حيث يوضع مصدر آخر قريب من مصدر الكلمة محل مصدرها ، وقال بعضهم : إنّه بمعنى : أخذه بنكال الآخرة والأولى. ويبقى السؤال : ما هو معنى نكال الآخرة؟ يبدو لي أنّ معناه نكالا (أي عقوبة على عمل سيء) يوجد في الحياة الآخرة ، وعقوبة وجدت في الحياة الدنيا.
[٢٦] وهذا النكال ـ عاقبة العمل السيء وجزاؤه ـ بقي عبرة لكلّ معتبر ، فمن هو المعتبر؟ الذي يخشى ، ولا يخشى إلّا من اهتدى ، ولا يهتدي إلّا من تزكّى.
(إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِمَنْ يَخْشى)
__________________
(١) المصدر.