وعلى افتراض ان القصة كانت صحيحة ، فمن يقول أن المراد ان النبي قد عبس ، فلعل واحدا من المسلمين كان حاضرا وهو الذي فعل ذلك ، والشاهد انه لم يقل ربنا : عبست وتوليت ، ومن ثم يكون السياق بلغة الخطاب ، ولكن أليس من الممكن ان يكون ذلك من باب تحويل الكلام الى الخطاب بعد ذكر الغائب ، وكأنه قد أصبح بذكره حاضرا كما نجد في سورة الحمد ، حيث يقول تحول الخطاب الى الحضور بعد ذكر الله سبحانه وقال : «إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ».
ثم ان السورة مكية بالاتفاق وكان ابن أم مكتوم في المدينة حسبما يقول ابن العربي على حسب ما نقل القرطبي. دعنا نستمع الى نصه : اما قول علماؤنا انه الوليد بن المغيرة ، فقد قال آخرون أنه أميّة بن خلف ، والعباس وهذا كله باطل ، وجهل من المفسرين الذين لم يتحققوا من الدين ، ذلك أن أميّة بن خلف والوليد كانا بمكة ، وابن أم مكتوم كان بالمدينة ، ما حضر معهما ولا حضرا معه ، وكان موتهما كافرين ، أحدهما قبل الهجرة ، والاخر ببدر ، ولم يقصد قطّ أميّة المدينة ، ولا حضر عنده منفردا ولا مع أحد. (١)
وينبغي ان نتساءل : إذا كان ابن أم مكتوم في المدينة فكيف نزلت السورة بمكة تروي قصته؟!
وأيّا كان سبب نزول الآية ، فإن علينا التدبر في كلماتها المشعة ، والتعرض لأمواج نورها المتدفق.
(عَبَسَ وَتَوَلَّى)
لقد بسر بوجهه ، فانعكست حالته النفسية تجاه الرجل على ملامح وجهه التي
__________________
(١) القرطبي / ج ١٩ ـ ص ٢١٢.