للتنكيل يرافقها عذاب الحريق بجهنم ، وما يلقاه الإنسان في الآخرة من أنواع العذاب ليست مفروضة عليه وآتية من خارج القوانين والسنن الطبيعية ، بل هي من صنع يده ، قدّمها لنفسه ، فالكذب الذي يمارسه في الدنيا يتحول إصررا ونادا عليه في الآخرة ، وهكذا الغيبة والسرقة ، والسباب ، وأكل أموال الناس بالباطل .. كلّها تصير أنكالا وجحيما.
(وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ وَعَذاباً أَلِيماً)
أي الطعام الذي لا يتهنّأ بأكله ولا طعمه ولا رائحته الآكلون ، بل يصعب عليهم مضغه وبلعه لما فيه من العذاب وأسباب الأذى. قال أكثر المفسّرين : أنّ به شوكا ، وقيل : لشدة خشونته ، وأوّله الزمخشري والرازي على أنّه شجرة الزقوم ، وبهذا النفس عبّر صاحب الكشاف : الذي لا يساغ يعني الضريع وشجر الزقوم (١). ومن أنواع العذاب المذكورة في الآيتين يتبيّن لنا بأنّها تأتي نقيضا لما هم فيه من النعمة والراحة في الدنيا كجزاء لتكذيبهم ، وعدم شكرهم ربّهم عليها.
(يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ)
أي تتحرّك باضطراب شديد ، وترجف الجبال معها أيضا ، وتضطرب بمن عليها (٢) ، من هول ذلك اليوم ، الأمر الذي يكشف عن عظمة الموقف ومدى رهبته ، فما بالك بهذا الإنسان الضعيف في يوم أحداثه ترجف بالأرض والجبال؟! إنّه يكون أدنى من ريشة في ريح عاصف يتقاذفها التيّار الكاسح.
إنّ تصور هذا الموقف والحضور عند هذه الحقيقة بالقلب يكفي وسيلة يقتلع
__________________
(١) راجع الدر المنثور والكشاف والمجمع والتفسير الكبير والتبيان عند الآية.
(٢) مجمع البيان / ج ١٠ ص ٣٨٠.