ذي لبّ وضمير حيّين ، إذ كيف تنام عينه وهو مطالب باقتحام هذه العقبات ، وتجاوز أهوالها بنجاح؟!
وثمّة علاقة بين أمر الله للرسول (ص) بالصبر على ما يقوله المكذّبون وبين كلامه عمّا أعدّ لهم من العذاب ؛ وهي : أنّ عدم التصبّر (الاستعجال) إنّما يندفع إليه الإنسان بهدف الانتقام وردّ الفعل ، والمؤمن يصبر ولا يتعجّل لأنّه لا يخاف الفوت ، ويعلم أن سوف يأتي اليوم الذي ينتقم الله (وكيله) له من أعدائه.
[١٥] وإلى جانب التحذير من عذاب الآخرة يحذّر الله المترفين وغيرهم من عواقب التكذيب التي تنتظرهم في الدنيا ، وذلك من خلال التذكير بالسنن الثابتة في الحياة ومصير إحدى الأمم التي عصت رسولها فأهلك الله أهلها وأخذهم أخذا وبيلا.
إِنَّا أَرْسَلْنا إِلَيْكُمْ رَسُولاً شاهِداً عَلَيْكُمْ كَما أَرْسَلْنا إِلى فِرْعَوْنَ رَسُولاً
أي يقوم بالشهادة الحقّة فيكم ، ويجسّد القيم الإلهية ، ممّا يجعله ميزانا لمعرفة الحق والباطل ، وأسوة لمن أراد الهداية إلى الصراط المستقيم. وقد ذكر الله قوم فرعون لأنّ وجوه التشابه بين واقع أولئك والواقع الذي عاصره الرسول كثيرة ، ومن أبرزها : أنّ المترفين هم الذين يمثّلون جبهة الباطل في الصراع في كلا المقطعين التاريخيين.
وكما أنّ لله سنة ماضية في حياة المجتمعات في إرسال الرسل في الأمم بعد الأمم ، والأجيال بعد الأجيال ، فإنّه ـ عزّ وجلّ ـ جعل سنّة الجزاء لا تنفك عنها أبدا ، فإذا ما استجابت الأقوام لقيادة الرسول وقيم الرسالة أجزيت خيرا وسعادة في الدنيا والآخرة ، أمّا إذا عصت وكذّبت فستعرّض نفسها للانتقام وسوء العذاب ،