كقوم فرعون الذين عصوا رسولهم موسى (ع) فاغرقوا وأهلكوا.
(فَعَصى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْناهُ أَخْذاً وَبِيلاً)
أي أخذا شديدا منكرا ، وفي الآية تحذير للمشركين ولأمة محمد (ص) من معصيته ، وتلويح بأنّ سنّة الأخذ ليست منحصرة في زمان دون آخر ، ولا في قوم دون غيرهم. وإذ يذكّرنا القرآن بصورة من الانتقام الإلهي في التاريخ فلكي يسدّ بابا من أبواب الشيطان الذي يوغل بالإنسان من خلاله في الانحراف والضلال البعيد ، حيث يهمز في أذنه وفكره : أنّ الله رحيم بعباده ، ويستحيل أن يعذّبهم في الآخرة ، وأنّ هذه الوعود ليست إلّا لمجرد التخويف لا أكثر ... ولهذا يوجّه الله الخطاب مباشرة لمعاصري الرسول ورسالة الإسلام بأنّكم لا تستطيعون الهروب من سطوات الله إذا أراد الانتقام.
(فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً)
وذلك لشدة أهواله ورهبة مشاهده ، قال القمّي : تشيب الولدان من الفزع حيث يسمعون الصيحة (١) ، وفي الدر المنثور عن ابن مسعود عن النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ قال : «إذا كان يوم القيامة فإنّ ربنا يدعو آدم فيقول : يا آدم! أخرج بعث النار ، فيقول : أي ربّ إلا علم لي إلّا ما علّمتني : فيقول الله : أخرج بعث النار من كلّ ألف تسعمائة وتسعة وتسعين يساقون إلى النار سوقا مقرّنين كالحين ، فإذا خرج بعث النار شاب كلّ وليد» (٢) ، وفيه عن ابن عبّاس : فاشتدّ ذلك على المسلمين ، فقال حين أبصر ذلك في وجوههم : «إنّ بني آدم كثير ، وإنّ يأجوج ومأجوج من ولد آدم ، وأنّه لا يموت رجل منهم حتى يرثه لصلبه ألف رجل ففيهم
__________________
(١) تفسير القمي / ج ٢ ص ٣٩٣.
(٢) الدر المنثور / ج ٦ ص ٢٧٩.