خشية النيران؟ كلّا .. إنّها بدورها تسجّر كما يسجر التنور ، وتشتعل نارا لا هبة.
(وَإِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ)
وكان المفسرون سابقا يبحثون عن تفسير لهذه الآية حتى قال بعضهم : تكون جهنم في قعر البحار فيأذن الله لها أن تحرق البحار بنيرانها ، وقال آخرون : إنّ الله يلقي بالشمس والقمر وسائر الأجرام في البحار فتسجّر ، أو أنّه يخلق فيها نيرانا عظيمة فيحرقها ، وقال الرازي بعد نقل هذه الأقوال وغيرها : هذه الوجوه متكلّفة ، لا حاجة إلى شيء منها ، لأنّ القادر على تخريب الدنيا وإقامة القيامة لا بد أن يكون قادرا على أن يفعل بالبحار ما شاء ، من تسخين ومن قلب مياهها نيرانا ، من غير حاجة منه إلى أن يلقي فيها الشمس والقمر أو أن يكون تحتها نار جهنّم. (١)
بلى. وقد أثبت العلم أنّ في الماء مادتين (أو كسجين+ هيدروجين) وهما شديدان الاشتعال لو انفصلا ، وقد اخترعوا سيّارات تعمل على الماء بعد تجزئته ، فهل تعجز قدرة الربّ عن فصلهما يوم القيامة بفعل ضغط جويّ هائل أو ما أشبه حتى تتسجّر؟!
إنّ عدم معرفة البشر بكيفيّة وقوع الشيء قد يدعوه إلى الكفر بوقوعه رأسا ، وهذا من أعظم تبريرات الكفّار بيوم القيامة ، ولكن هل أحاط البشر بكلّ شيء علما ، حتى ينكر أيّ شيء لا يعلم تفصيل وقوعه؟! أليس في هذا جهل مركّب؟!
ولعلّ الكفّار بيوم البعث كانوا يسخرون من كيفية تحوّل البحار نيرانا ، ويقولون : إنّ الماء يطفئ النار فكيف يشعلها؟! ولكن ثبت علميّا أنّ الماء أساسا مركّب من نارين. أولا يهدينا ذلك إلى أنّ جهلنا بكثير من الحقائق لا يبرّر كفرنا
__________________
(١) تفسير الرازي ج ٣١ ص ٦٨.