قيس بن عاصم إلى النبي ـ صلّى الله عليه وآله ـ فقال : يا رسول الله! إنّي وأدت ثمان بنات كنّ لي في الجاهلية ، قال : «فأعتق عن كلّ واحدة منهنّ رقبة» قال : يا رسول الله! إنّي صاحب إبل ، قال : «فاهد عن كلّ واحدة منهنّ بدنة إن شئت» (١).
(بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ)
وهذا التساؤل العريض يجعل الجاهلية كلّها في أزمة حادّة ، فهب أنّها برّرت كفرها بالرسالة ، أو سكوتها عن ظلم الأغنياء للفقراء ، أو حروبها الداخلية ، فهل لقتل البنات وبهذه الصورة البشعة أي تبرير؟! إنّ هذا العمل القبيح يكشف زيف الفلسفة التي وراءه ، وبالتالي زيف كلّ القيم الجاهلية ، وذلك لأنّ فطرة الإنسان قد تحجب عن معرفة بعض الحقائق الخفية ، ولكنها لا يمكنها أن تتغافل عن مثل هذه الحقيقة الواضحة أنّه لا يجوز المخاطرة بحياة الطفلة التي وهبها الله لوالديها ، وجعلهما حماة لها ، وأودع في أنفسهما الحنان والعطف نحوها ، بل جعلها حاجة نفسية ملحّة لهما ، فكيف يجوز لهما دسّها في التراب ، بل كيف مسخت شخصية هذا الأب أو تلك الأم اللذين يقومان بوأدها ، وكيف يسمح المجتمع لهما بارتكاب هذه الجريمة ، وأين ضمير المجتمع عنهما ، أين دعاة الخير والصلاح ، أين أهل الدين والتقوى ، أين الرحمة والحب والحنان ، أين أهل الثقافة والفكر؟!
ان وقوع هذه الجريمة النكراء في المجتمع الجاهلي كان شاهدا على أنه قد هبط الى أسفل درك ، وهكذا نطقت الموؤدة حين سئلت بإدانة كل المجتمع الجاهلي ، وكل قيمه الزائفة.
وقصة وأد البنات من أشد قصص الجاهلية بشاعة وآلما معا ، وهي كما قلنا :
__________________
(١) تفسير الدر المنثور ج ٦ / ص ٣٢٠.