تكشف عن جوانب عديدة من الضعف في الفكر الجاهلي ، فقد حكي عن ابن عباس .. كانت المرأة في الجاهلية إذا حملت حفرت حفرة ، وتمخضت على رأسها ، فان ولدت جارية رمت بها في الحفرة ، ووارتها التراب ، وان ولدت غلاما حبسته ، وكان بعضهم يفتخر بذلك فيقول قائلهم :
سميتها إذ ولدت تموت |
|
والقبر صهر ضامن ازميت (١) |
وقد كان في الجاهلية من يمنع الوأد ، ويسعى لنجاة الموؤدات ، مثل صعصعة جد الفرزدق حيث يقال أنّه كان يشتري البنات من آبائهن ، وجاء الإسلام وقد أحيا سبعين موءودة ، حتى افتخر حفيده الشاعر المعروف بذلك فقال :
ومنّا الذي منع الوائدات |
|
فأحيا الوئيد فلم يوأد |
وجاء في الدر المنثور : عن صعصعة بن ناجية المجاشي وهو جدّ الفرزدق ، قال : قلت : يا رسول الله! إني عملت أعمالا في الجاهلية فهل لي من أجر قال : «وما عملت؟» قال : أحييت ثلثمائة وستين موءودة ، أشتري كل واحدة منهنّ بناقتين عشراوين وجمل ، فهل لي في ذلك من أجر ، فقال النبي ـ صلّى الله عليه وسلم ـ : «لك أجره إذ منّ الله عليك بالإسلام» (٢).
حقا ان تردي البشر الى هاوية الفساد والجريمة رهيب ولو لا ان تداركه رحمة الله فانه يبلغ مستوى من الرذالة أن يدفن أبناءه أحياء ، ولعل الاشارة الى البنات في هذه الآية ليست للحصر بل لأنهن الحلقة الأضعف والأكثر إثارة للشفقة ، إذ تدل آيات أخرى على أن الأولاد أيضا كانوا يقتلون حيث يقول ربنا : «وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ» (٣).
__________________
(١) اي سماها تموت بإزاء ما يسمى الأولاد ب (يحيى) والزميت بمعنى : الوقور والمتزمت.
(٢) تفسير الدر المنثور / ج ٦ ص ٣٢٠.
(٣) الإسراء / ٣١.