وقد أوكله الله بإدارة الملأ الأعلى ، فهو مطاع هنالك ، كما أنّه أمين فلو لا أمانته لم يوكل إليه هذا الأمر العظيم ، وكان من أمانته ـ عليه السلام ـ أنه لم يعص الله في شيء ، كيف وهو ممن قال عنهم الرب : «لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ» (١).
ولعل في هذا التأكيد ردّا على من يزعم بأن الملائكة هم بنات الله ، وبالتالي ليسوا بمسؤولين عن أفعالهم ، كما كان يعتقد الجاهليون العرب قبل الإسلام ، ويزعمون أنهم شفعاؤهم عند الله ، وكان ذلك منشأ عبادتهم للأصنام التي كان بعضها يرمز إلى الملائكة.
[٢٢] وإذا كانت الرسالة من الله وعبر رسول كريم تتجلى كرامته في قوته وأمانته ، فان من يتلقاها يكون في ذروة الحكمة والمعرفة ، وهذا تفسير ما يقوله الرسول مما لا يحتمله الناس من حقائق مغيّبة ، فيزعمون أنه مجنون كلا .. إنه رسول عظيم ، رفيع المجد ، سنيّ المقام ، والذين كفروا به لا يفقهون.
(وَما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ)
وفرق كبير بين الرسول والمجنون ، فالمجنون يترك عادات مجتمعة الى الفوضى ، والرسول يتركها لما هو أحسن منها ، والمجنون يتحدى سلطات مجتمعة لغير هدف ، والرسول يتحداها لصنع مجتمع أفضل ، والمجنون لا يتبع مصالحه بغير هدى ، بينما الرسول يتركها للصالح العام.
ثم أليس الرسول صاحبهم الذي عرفوه منذ نعومة أظفاره حكيما راشدا صادقا أمينا ، أفلم يعلموا انه ليس بمجنون؟! بلى. ولكن الأمم جميعا اتهمت رسلها بالجنون
__________________
(١) الأنبياء / ٢٧.