(فَسَوَّاكَ)
فلم يجعل تقدير خلقك ناقصا ، بل زوّدك بما تحتاجه بأفضل ما تحتاجه. ألم يجعل لك عينين ولسانا وشفتين؟ وإذا أنعمنا النظر رأينا هذه التسوية في الخلق نافذة في كلّ أعضاء الجسد ، حتى قال ربّنا عن البنان : «بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ» ، ويأتي العلم الحديث ويقول : إنّ لكلّ إنسان بصمات مختلفة عن أيّ بشر آخر في العالم ، ويعتقد أنّ صورة بصمات بنانه منسجمة مع مجمل كيانه ، حتى أنّهم بدأوا يكتشفون بعض الأمراض من صفحة كفّ الإنسان أوليس ذلك دليل الحكمة في الخلق؟
وقال بعضهم في معنى التسوية : إنّه سوّى بين طرفي جسد الإنسان في كلّ شيء (بما يتناسب ووجوده).
وقال البعض : إنّه سبحانه جعل كلّ عضو يتعامل مع سائر الأعضاء.
وقال آخر : إنّه سبحانه سخّر له المكوّنات ، وما جعله مسخّرا لشيء ، ثم أنطق لسانه بالذكر ، وقلبه بالعقل ، وروحه بالمعرفة ، وسرّه بالإيمان ، وشرّفه بالأمر والنهي ، وفضّله على كثير ممّن خلق تفضيلا.
وإنّ كلّ ذلك لمن بعض تجلّيات الإستواء في الخلق.
وقد بلغت درجة الإستواء منتهاها في خلقة البشر فكانت عدلا لا نجد فيه ثغرة أو زيغا.
(فَعَدَلَكَ)
ويبدو لي أنّ الصفات الثلاث (الخلق والتسوية والتعديل) درجات في حالة واحدة ، فالخلق بمعناه اللغوي هو الترتيب ، والإستواء تكامل الترتيب ، والعدل تناسق