مصدر سنمه إذا رفعه ، إمّا لأنها أرفع شراب في الجنة ، أو لأنها تأتيهم من فوق على ما روي : انها تجري في الهواء مسنمة فتنصب في أوانيهم ، وإما لأنها لأجل كثرة مائها وسرعته تعلو على كل شيء تمر به وهو تسنيمه ، وإما لأنها عند الجري يرى فيه ارتفاع وانخفاض فهو التسنيم أيضا ، وذلك لأن أصل هذه الكلمة العلو والارتفاع ومنه سنام البعير ، وتسنمت الحائط إذا علوته (١).
وقال بعضهم : ان كل عين تجري من الأعالي تسمى بالتسنيم ، وبالرغم من أن هذا أقرب المعاني إلى سياق الآية إلا اني لم أجد مصدرا لغويا يؤيده.
[٢٨] وللجنة درجات تتعالى حتى تتصل بعرش الله ، فعنده جنات عدن حيث منازل المقربين من عباده الأنبياء والصديقين ، وقد بينت سورة الواقعة جانبا من الفرق بين درجات المقربين السابقين ودرجات أصحاب اليمين ، وفي هذه السورة إشارة الى جانب منه ، حيث أن مزاج شراب الأبرار التسنيم ، بينما يرتوي منه المقربون ، فهو شرابهم الخالص.
(عَيْناً يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ)
ولعل في شراب التسنيم آثارا معنوية ، حيث يكسب شاربه قربا الى الله ورضوانا ، وهكذا خمرة الجنة تزيد العقل ، وتنشط الفكرة ، وتلهم الروح إيمانا وعرفانا ، فأين هي من خمرة الدنيا التي تزيل العقل ، وتخمل الفكر ، وتبعد الروح من مقام ربها؟!
[٢٩] تلك كانت مجالس الأنس والمصافاة ، وشرب الرحيق والسلسل يجازي الرب بها عباده الذين عانوا الآلام الروحية ، فكم ضحك منهم المجرمون وكم
__________________
(١) التفسير الكبير ج ٣١ ص ١٠٠.